م. عبدالله سعد الغنام



إن من أسهل الطرق أن تستلقي على ظهرك أو أن تجلس متكئاً وتردد كالآخرين سأبني لنفسي مجداً ومستقبلاً باهراً، أو أن تمني النفس بالوصول إلى أعلى المناصب القيادية والاجتماعية. وربما تسرح بعيداً فيُخيّل إليك أنك تملك أموالاً وأملاكاً، كلنا فعلنا ذلك، فقد بنينا لأنفسنا خططاً وأحلاماً وأفكاراً، منها ما كان شخصيّاً ومهنيّاً، ومنها ما كان تربويّاً واجتماعيّاً، ولكن أين نحن منها الآن؟ لماذا تمر السنون وهي لا تزال حبيسة العقل أو الأدراج؟

نحن للأسف على كافة مستويات المجتمع بارعون جدّاً في الكلام والأحلام، وباهرون في صناعة التصريحات وتكوين اللجان، فذلك سهل جدّاً من فوق الأرائك، لأنه لا يكلفنا شيئاً. ولكن لماذا لا يسأل الواحد منا نفسه: ما هي الكلفة الحقيقية لتغيير النفس أو الأسرة أو الحي أو الأمة، وما هو الثمن الذي لا بد أن يُدفع لتحقيق تلك الأماني والأحلام؟

لن يتحرك الواحد منا قدر أنملة، لا على المستوى الشخصي ولا الأسري ولا حتى المهني أو التربوي، إذا ظل واقفاً في مكانه بين الحلم والفعل. لننظر حولنا، فكم من طالب منا أراد أن يتخرج من الجامعة ولم يفعل، وكم واحد منا أراد أن يبني مسكناً لنفسه وأسرته ولم يفعل، و كم من شخص أراد أن يغير ويطور نفسه ولم يفلح، وكم من إنسان أراد أن ينفع بلده أو أمته ولم يتحرك، كل ذلك لم يحصل ولن يحصل طالما أردناها سهلة طرية بدون جهد وتعب وعرق.

دعونا نتساءل لماذا الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، يضرب بالفأس تلك الصخرة المعترضة في معركة الخندق بيديه؟ ولماذا يحمل اللبنات بنفسه لبناء المسجد النبوي؟ ولماذا الهجرة في الصحراء القاحلة ولماذا ولماذا....؟ ألم يكن الرسول، عليه الصلاة السلام، يستطيع أن يدعو فيستجاب له؟ بلى يستطيع ولكنه أرادها رسالة واضحة لنا كالشمس الناصعة، لا بد من الجهد والتعب والعرق.

بل ما من عالم أو مفكر أو منجز نقش اسمه في التاريخ إلا من بعد جهد وتعب وعرق، وذلك ينطبق علينا نحن أيضاً، مهما كبرت أحلامنا أو صغرت. لقد عمل ابن حنبل حمّالاً وجاع وتغرب في البلاد، وطافها شرقاً وغرباً، طولاً وعرضاً. وظل عطاء طالباً للعلم في الحرم ثلاثين سنة، وسار الصحابي جابر بن عبدالله، رضي الله عنه، من المدينة إلى الشام من أجل حديث واحد فقط.

ولم يكن ذلك مقتصراً على العصور المتقدمة، فتلك حقيقة جارية في كل العصور، فقد عمل الراجحي طباخاً وحمّالاً، وكان بيل جيتس يأكل البيتزا الباردة ويبقى طوال الليل في المكتب، وسار غاندي ماشياً على قدميه آلاف الأميال من أجل قضيته. وشرّح الطبيب الإنجليزي رونالد روس أكثر من ألف بعوضة في الهند في أجواء حارة ورطبة، وكان يعيش بين آلاف البعوض بدون تهوية أو تبريد، حتى لا يتطاير البعوض من حوله، فأصبح العرق أنهاراً من أجل إيجاد ميكروب الملاريا القاتل، ولذلك قال ابن القيم: "لا راحة لمن لا تعب له".

لقد خدعنا من قال لنا: إن الراحة نجدها على شواطئ البحار الناعمة، وخدعنا من قال لنا: إن الراحة في أحضان العشاق، وخدعنا من قال لنا: إن الراحة في كثرة الأكل والشرب والنوم، لقد كانت راحتهم في التعب، ونحن نتعب من كثرة الراحة!