يبلغ عدد المسلمين في العالم وفقاً للإحصائيات الدولية ألف وستمئة مليون مسلم، حيث أعلنت إحدى الدراسات التي اطلعت عليها، والتي أجراها أحد مراكز أبحاث الديانات والحياة العامة التي أوضحت أنه من المتوقع أن يصل تعداد المسلمين في عام 2030 إلى أكثر من ألفي مليون مسلم حول العالم، ونتيجة لهذه الزيادة يتوقع أن يزداد الطلب على أداء الركن الخامس للإسلام وهو الحج، وتزداد أعداد الراغبين في أداء العمرة، حيث يتوقع بعض المحللين والباحثين وأميل إلى رأيهم، بأن يصل عدد المعتمرين والحجاج إلى سبعين مليون معتمر وحاج سنوياً، ابتداء من عام 2041، إذا سمحت الحكومة السعودية بمنح التأشيرة لكل من يرغب بالحج والعمرة. وهو رقم قد يعتقد البعض أنه خيالي ويصعب تحقيقه بل من المستحيل تحقيقه لأسباب عديدة، منها عدم وجود المساحات الاستيعابية لإسكان أو استقبال هذا العدد في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقول البعض إن إسبانيا وفرنسا بقدراتهما العظيمة في البنية التحتية والتشغيلية والإدارة والترويج لم تصل إلى هذا الرقم إلا بصعوبة وبعد سنوات طويلة جداً.
أنا ومن يوافق معي على فكرة السياحة الدينية بديلاً لإيراد النفط نعتقد بل نجزم بأنه لو استمرت الحكومة السعودية في مسيرتها التطويرية والتوسعية والخدمية في مكة المكرمة والمدينة المنورة ومدينة جدة والطائف، مع إعطاء مرونة كبيرة في منح تأشيرات العمرة والحج، نستطيع أن نصل لهذا الرقم، وذلك بوسائل عديدة، من أهمها عدم الاعتماد على العمرة طويلة المدى فقط، والتوجه إلى عمرة اليوم الواحد بالقدوم صباحاً والمغادرة مساء، وفتح باب العمرة طوال العام، ومنح تأشيرات العمرة من المطار، وتوسيع دائرة استقبال المعتمرين في مطار جدة والمدينة المنورة والطائف، والترويج لعمرة اليوم الواحد.
وقد يرى البعض أن في ذلك إضعافا للطاقات المتاحة في الفنادق والرد على ذلك أن ارتفاع نسبة التشغيل ليوم واحد سوف يغطي الطاقة التشغيلية الفائضة، ويرد البعض على هذا الاقتراح بأن الدواعي الأمنية تحتم منح التأشيرة من السفارات السعودية في بلاد المعتمرين والرد عليهم أن التقنية الحديثة والإمكانات المتطورة في متابعة الممنوعين بالإمكان أن تكون في مطارات القدوم بمضاعفة إمكانياتها التقنية والبشرية على أن تفرض قيمة مالية أكبر لمنح التأشيرة في المطارات.
إن توسعة الحرمين الشريفين العملاقة في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبناء البنى التحتية الجديدة من قطار الحرمين والمشاريع العملاقة أو المحيطة والتفكير في إنشاء مدن سياحية إسلامية في الطريق بين مكة المكرمة وجدة وبين الطائف ومكة المكرمة والمدينة المنورة وضواحيها سوف تسهم في مضاعفة القدرة الاستيعابية.
إن طرحي بزيادة عدد المعتمرين وحجاج بيت الله الحرام ينطلق من منطلق إسلامي واقتصادي، والمنطلق الإسلامي هو إتاحة الفرصة للمسلمين الراغبين في أداء الركن الخامس "الحج" والمعتمرين الراغبين في أداء العمرة سنوياً أو مرتين في العام حسب قدرتهم، ومع نمو عدد المسلمين في العالم فإن إتاحة الفرصة لهم تُعد جزءاً من المسؤولية العظيمة التي منحها الله للدولة السعودية في خدمة الإسلام والمسلمين. أما البعد الاقتصادي فهو اقتناعي التام ولا شك فيه بأن البترول "سينضب" في يوم من الأيام، قصرت السنون أم طالت؛ فهو دخل زائل، وإذا لم نفكر من اليوم في البدائل فإن الأجيال القادمة ستواجه كارثة أو ستعود إلى العصور القديمة، وسنعود إلى قائمة الدول الفقيرة. والتفكير الأمثل هو الاستفادة المثلى من الإمكانات المالية المتاحة لبناء مستقبل زاهر للأجيال القادمة. ولو تم التخطيط لبناء بنية تحتية تستوعب سبعين مليون ويتم وضع رسوم عادلة للمعتمرين وتم تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات من المطار أجزم بأنه ستتساوى مداخيل العمرة والحج مستقبلاً مع إجمالي دخل البترول الذي يتوقع أن ينخفض الطلب عليه ويتوقع أن ينضب في يوم من الأيام.
طرحي اليوم قد يواجه بالتقليل من شأنه من بعض أولئك الذين يعتقدون أن النفط سيبقى إلى يوم القيامة، أو من الآخرين الذين يعتنقون فكرة "أنا والطوفان من بعدي".
أما من يعترض وله وجهة نظر دينية في اعتراضي أساسها عدم تحويل الحج والعمرة إلى متاجرة، فأذكرهم بدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة والسلام، قال تعالى "وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبي وبني أن نعبد الأصنام. رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم. ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون"، ويقول عز وجل "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس والفقير".
أما المشككون في البعد الاقتصادي وعلى وجه الخصوص إيراد الحج والعمرة بديلاً لإيراد النفط، أعدهم بأنني سأقوم بنشر البحث الذي أشرفت على إعداده شخصياً والذي يثبت بأن إيراد الحج والعمرة من رسوم للدولة أو إنفاق شخصي لكل معتمر أو حاج أو دخل لكل مواطن من تشغيله في فرصة عمل سيكون إجمالي العائد بديلاً لإيراد النفط في يوم من الأيام.