نحن بانتظار زيارة الرئيس الأميركي "باراك أوباما" للمملكة غدا. هذه الزيارة ليست الأولى، كما أنها لن تكون الأخيرة؛ فالعلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية امتدت لزمن طويل، وتقارب اليوم عامها السبعين.

إن طبيعة العلاقة بين البلدين ليست محصورة في السياسة، بل في جوانب أخرى كثيرة، اقتصادية واجتماعية وعسكرية وعلمية، ويخطئ من يعتقد أن هذه العلاقة الرصينة سوف تشوبها شوائب العتب لأسباب ليست وجيهة؛ لأن الملفات التي تنتظر الرئيس الأميركي ملحّة ومصيرية بالنسبة للشرق الأوسط، ومنها ملف القضية الفلسطينية، وملف الثورة السورية، وملف العلاقة مع إيران، والوضع في مصر والخليج وبقية العالم العربي. كل هذه الملفات ربما تعدّها الإدارة الأميركية الحالية مؤجلة، لزمن لا نعلمه، الله وحده يعلمه، غير أن الواضح لنا أن إدارة الرئيس أوباما لن تستمر، فأمامها ثلاث سنوات فقط لترحل وتأتي إدارة جديدة، وربما ترغمها الظروف الاقتصادية للدولة الأميركية على تغيير التكتيك السياسي في المنطقة.

صحيح أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، وخطط استراتيجية طويلة المدى، غير أن الخطط أحيانا لا بد لها من خطط بديلة، سيما وأن العتب على الولايات المتحدة في تعاطيها مع القضايا الساخنة ينبئ عن عدم اهتمام في الوقت الحالي على الأقل، ولكن ربما المستقبل سيكون مليئا بالمستجدات، خاصة أن إدارة الرئيس أوباما قد فوجئت بالحل الروسي السريع فيما يتعلق بمستجدات شبه جزيرة القرم التي أصبحت اليوم روسية بشكل كامل.

أما القضية السورية، فإنها تعدّ اليوم معضلة المعضلات بالنسبة للمنطقة العربية، وتشهد اختلافا في وجهات النظر والمصالح لحلها، وهـذا ما يطيل أمـد الأزمة التي بـدأت تتسرب ـ إلى المتابع للشأن السياسـي ـ أخبار استمرارها لسنوات طـويلة قد تصل إلى عقد كامل، وهذا ما يذكرنا بما قيل في قضية اغتيال الرئـيس رفيق الحريري، التي قيل إنها لن تصل لحل قبل عشر سـنوات وهو ما حصل.. وهذا الملف ما زال معلقا ولم يجد طريقه إلى حل واضح.

إذن، نحن أمام عدة ملفات من ضمنها ملفان مهمان ومصيريان يجب أن تسهم الولايات المتحدة في حلهما، الأول: هو القضية السورية التي شرّد خلالها الكثير من السوريين وقتل أعداد هائلة لم تشهد المنطقة لها مثيلا سوى في فلسطين المحتلة جرّاء الاحتلال الإسرائيلي لها. أما القضية الأخرى: فهي ملف العلاقة مع إيران، وهو ملف شائك ومريب نوعا ما، إذ لا يوجد فيه رؤية واضحة سوى المخاوف من أن الإدارة الأميركية سوف تسلّم المنطقة لإيران، ولكن رغم ذلك لا يمكن القول إن الولايات المتحدة قد غيرت كل سياستها تجاه المنطقة، ولذلك كان لزاما على إدارة الرئيس أوباما أن تبحث عن "فرصة" مقنعة لحلفائها من أنها قادرة على حل القضايا العالقة وفقا لمصالحها بطبيعة الحال، فالمصالح الأميركية في المنطقة ممتدة وعميقة، وهذه الرؤية تحتاج إلى شجاعة سياسية تثبت فيها الولايات المتحدة الأميركية أنها قادرة على فعل شيء!.

إن عدم الثقة في الإدارة الأميركية الحالية يجعلها في مأزق، مأزق داخلي أمام الشعب الأميركي قبل المأزق الخارجي الذي يحد من الثقة بقدراتها في بقية أنحاء العالم، ولا سيما في المنطقة العربية التي بدأت فيها الكراهية للإدارة الأميركية تتطور وقد كان سبتمبر 2001 وما تلاه شاهدا قويا على ذلك.

لن تنجح الإدارة الأميركية الحالية في كسب ثقة جديدة، أو استعادة الثقة القديمة، إلا إذا أثبتت فعلا أنها إدارة قادرة كسب الثقة، أما والحال فيه الكثير من التردد والأقوال لا الأفعال، فإن المحصلة النهائية البحث عن تكتلات وأقطاب وحلول جديدة لمشكلاته ومستجداته، فالعالم يحركه الاقتصاد، والاقتصاد الأميركي اليوم يمر بأسوأ حالاته، وهذه ليست المرة الأولى، فكلما ضاقت الولايات المتحدة ذرعا باقتصادها لجأت إما إلى الحرب أو إلى حلفائها، إلا أن العالم أصبح اليوم أكثر تعقيدا وشراسة، وهذا ما يحتّم على الإدارة الأميركية تقديم بعض التنازلات؛ كي لا تذهب الأنظار إلى اتجاهات أخرى غيرها، فالدول لديها مصالحها أيضا، فالمصالح دائمة.. إنما العداوات موقتة.