باستثناء مشروع تدوين التاريخ الشفوي الذي تقوده دارة الملك عبدالعزيز منذ عام 1416، والذي انبثق من خلاله مركز التاريخ الشفوي بالدارة، الذي سجلت من خلاله مئات الشهادات مع معمرين ومعاصرين، تكاد ساحتنا الثقافية أن تخلو من مشاريع مماثلة تسير في نفس الاتجاه، حيث بقيت معظم الجهود فردية من خلال ما يقوم به بعض الباحثين والمؤرخين من توثيق وتدوين بعض المعلومات التي تتعلق في معظمها بمواقف وأحداث تاريخية محددة وذات صلة بالأبحاث التي يقومون بها.

وإذا ما نظرنا إلى المساحة الجغرافية والتاريخية المترامية التي تمثلها بلادنا، والتي خلفت لنا إرثا واسعا ومتنوع الملامح، فسنعرف مدى تقصيرنا في هذا الاتجاه، حيث لم نخرج حتى الآن ورغم توفر كل وسائل التقنية الحديثة المساعدة سوى ببعض المؤلفات التاريخية ذات الصبغة السياسية التي تناولت حقباً تاريخية معينة، فيما أغفلت تلك المصنفات كثيراً من ملامح تاريخنا الشفوي بصورته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

وقد لا نتوقع الكثير من الباحثين في هذا الخصوص حيث نرى أن الأكثر منهم خصص وقته وجهده وماله للبحث في قضايا تتعلق بمواضيع محددة كالبحث في الأنساب وتاريخ القبائل مع إيماننا بضرورة هذا الأمر كونه يعكس شيئاً من ذلك الواقع، إلا أنك تستغرب حين تقف أمام عشرات المصنفات التي تتناول الأنساب في حين لا يمكنك أن تجد سوى القليل من المصنفات التي تحدثك مثلا عن ملامح الحياة الاجتماعية في المدينة أو مكة أواخر العصر العثماني، وغالبا ما يدور ما يخرج منها في فلك المذكرات الخاصة التي تتركها بعض الشخصيات.

ورغم أن كثيرا من المؤرخين يجمعون على أن تاريخنا الشفوي لم يأخذ نصيبه من التدوين بالشكل المطلوب تجدنا نصر على قصر تسجيلاتنا التوثيقية مع عدد من المعمرين وكبار السن حول مواضيع لا تتجاوز ما أشرنا إليه سابقا دون أن نولي بقية الجوانب أي اهتمام بدلالة ما يتم نشره.

ولعل إطلالة بسيطة على ما تركته المكتبة الثقافية الغربية في هذا الخصوص تكشف عن مدى إيمانهم العميق بأهمية توثيق وتدوين تاريخهم الشفوي بمختلف ملامحه حيث مئات المؤلفات التي خرجوا بها والتي تناولت الفن والموسيقى والشعر والمسرح والإنسان البسيط، بل وخصصوا عدداً من المعارض والمتاحف التي تحفظ تلك التسجيلات إضافة لمئات المؤلفات التي تفصح عنها.

أتصور أن العمل المؤسسي المدروس وحده قادر على تقديم شيء يستحق القراءة في هذا الخصوص، وقد تكون جامعاتنا بما تملكه من إمكانيات بشرية وفنية لا يستهان بها من أكثر الجهات قدرة على تبنيه خصوصاً وما زال تاريخنا الشفوي الثر مفتوحاً أمام الكثير من التدوين والتسجيل والقراءة.