أصعب ما يمكن أن تواجهه أمة هو الجهل، أن تقوم شعوبها بالسير وراء من يقودها للهاوية! وأصعب ما يمكن أن تواجهه أمة هو السماح لمن ضرب بجذوره في غير أرضها أن يفكر عنها ويملي عليها ما هو صالح وما هو طالح! حين نجد أن دولة ما قد تم فيها تقييد الإعلام وسد سبل التعبير الحر تأكد أنك ستشهد اختفاء الفكر فيها وولادة القطيع، أو.. الانفجار، والانفجار عاصفة هوجاء لا تفرق وتأكل الأخضر واليابس ولا ترحم كل من يقف في طريقها!

نعيش في فترة في غاية الخطورة على أمتنا وعلى أوطاننا وعلى هويّاتنا، الجميع يتبارى في سحبنا إلى خندقه، وإن لم ننتبه قد نضيع ويضيع مستقبل أبنائنا.. من خلال متابعة الأحداث نجد أن هنالك أقلاما وأصواتا قد باعت ضميرها، تتلون كالحرباء، والغريب أن هنالك من ما زال يتبعها ويصدقها، تقدم حججا بالية خالية من المنطق، ولكن للأسف لمن لم يتدرب على التفكير المستقل وتفعيل مهارات التفكير الناقد وتكليف نفسه عناء البحث وتنويع المصادر.. يصدق! فلقد أصبحت تلك النظارة السوداء جزءا من كيانه لا يعرف كيف يتخلص منها، كل ما استطاع أن يفعله هو تنمية مخالبه ليهاجم ويمزق كل من يقف في طريقه!

أشعر بالرعب.. لا بد أنه كابوس نمر به.. ليته يكون كابوسا؛ فعلى الأقل نستطيع أن نستيقظ وننتهي منه ونعيش حياتنا، ولكنه ليس كابوسا، إنه واقع نعيشه، إننا أمة في خطر، وأين العدو؟ للأسف في الداخل، يعيش بين ظهرانينا ويعبث بنا كما يريد، وحين تضرب الدولة بيد من حديد يتراجع إلى الوراء يغير من ملامحه للتضليل، ولكنه في الخفاء ما زال يضلل، إن لم نقف جميعا في وجه هذا الطاعون الذي ضرب جذوره في أعماق ثقافتنا سوف ينتهي بنا الأمر بأن يقتل بعضنا الآخر وبكل دم بارد، ولمَ لا؟! حين نجد أن من يمجد القتل والذبح ويسوقه على أنه مجد وعلاء، حين نجد أن من يتغنى بأناشيد كل ما فيها دماء وكراهية وتشويه، يعامل كوجيه ويؤخذ أيقونة تعلق على الرقاب من الأمام والخلف.. دمغ كما تدمغ الماشية! ماذا ننتظر أن تكون النتيجة؟! متى نستيقظ ونقف لهم بالمرصاد ونضع أيدينا بيد الدولة؟!

كيف؟! مجرد أن تفكر في هذا السؤال يعني أنك بدأت تحرك فكرا.. دليل على أن هنالك شيئا ما تحرك في العقل، ارجع لما كنا عليه من تآلف وإخوة ومحبة وسلام، ارجع لما كنا عليه من تفاهم وتعايش، ثم انتقل إلى الآن وابحث عما استجد وغير في كل ذلك، حدد وابدأ في قص هذه النباتات السامة القاتلة التي تلتف حول الجذر وتخنقه بكل بطء وهدوء من غير أن يلاحظها أحد.. إن أرضنا، عرضنا، وطننا بحاجة منا لمثل هذا المجهود.. من أين نبدأ؟ من أنفسنا.. نقوم على مراجعة أفكارنا وتنظيفها من كل الشوائب التي علقت بها، ولن يتم ذلك من غير أن نسترد العقل والفكر والإرادة، ونبحث في الأعماق لنواجه أنفسنا ونخرج كل شيء في هذا الداخل ونستعرضه مقطعا مقطعا، تماما كما نستعرض فيلما سينمائيا.. ونراجع لنتأكد ونحلل ونقارن، إنه عمل صعب أعلم، ولكن لو كان سهلا لوجدت أغلب الناس اتخذ الفكر مهنة، ولكنه ليس بمهمة مستحيلة.

كل ما نحتاجه هو قليل من الصبر.. قليل من الإرادة والكثير من الإيمان والوطينة. إن استعادة زمام الأمور والمواجهة تحتاج لشجاعة ولإقدام؛ صفتان نحملها في جيناتنا منذ بدء التاريخ، فنحن كنا خزان العالم البشري ومن عندنا خرجت الشعوب لتبني الحضارات، إن فعلها أجدادنا فلمَ نشك ولو للحظة واحدة بأننا غير قادرين؟! الطريق طويل ولكنه ليس بمستحيل، يجب أن نبدأ من الآن والتو واللحظة، فالوقت ليس في صالحنا.. نريد استعادة سيادة الفكر والقرار، قد يكون الثمن غاليا.. ومتى كان الأمن والاستقرار رخيصا؟ ومن قال إن المستقبل يزهر في البساتين الجرداء؟!