في عام 1972 كانت قرية الشُطاط، الواقعة على ضفاف وادي عشران، على بعد 10 كيلومترات شمال مدينة أبها، تعيش أزهى أيامها البيئية، متمثلة في الموقع الجميل، كما يشير معنى اسمها في قواميس اللغة العربية.

فالأمطار لا تخلف مواسمها، والمياه الصافية تجري كالنهر بين جانبي الوادي، والأشجار باسقة خضراء، والعصافير لا تفتر عن التغريد، والمنازل تشع بالحياة والترحاب.

وفي وسط هذا الكرنفال الطبيعي، كان هناك طفلان غريبان على المكان، عبدالرحمن وغالب، قدما من مدينة أبها ليعيشا في قصري جدهما بهدف الدراسة في مدرسة القرية.

هذه الهجرة العكسية المبكرة حدثت بأمر الأبوين، وبُعد الطفلين عن دفء الأسرة وحنان الأم جعلهما يبحثان عن بديل، فوجداه في الطبيعة.

كانا يقضيان وقتهما في السباحة وصيد الطيور وقطف الثمار، ولعب الكرة. وفي عصر أحد تلك الأيام، شاهدا سيارة تحمل مرافقا وسائقا من الإمارة ومعهما فتاة كندية تحمل مسندا للرسم وآلة تصوير.

كان وجود هذه الفتاة حدثا غير عادي في حياة الطفلين، رافقاها كظلها طوال أيام ترددها على قريتهما. وراقباها وهي ترسم. تلك اللوحة الشهيرة ظلت تذكرهما دائما بهذه الفتاة الكندية التي رسمتها. وفي مقابل اشتياقهما لتلك الأيام.

ومرت السنوات، وفي عام 2005 اتصل رئيس نادي أبها الأدبي السابق أنور خليل طالبا معلومات عن تلك الفنانة الكندية، فزودته بالمعلومات الشحيحة التي أعرفها، ونشر مقالا عنها في "الوطن"، مفاده بأننا في عسير لا نعرف هذه الفنانة التشكيلية رغم أنها رسمت أشهر اللوحات المتداولة عن عسير.

ومرت سنون، حتى قررت البحث عن تلك الرسامة. تواصلت مع بعض التشكيليات الكنديات، ومع اتحاد الفنانين التشكيليين الكنديين، لكنهم لم يعرفوها. ولم أيأس وواصلت البحث حتى عثرت عليها في الولايات المتحدة الأميركية. وتواصلت معها، لأكتشف أنني أمام فنانة عشقت أرض العرب اسمها ريني وليامس.

ولدت في قرية (فورست هيل) التي أصبحت حاليا جزءا من مدينة (تورنتو) بكندا. تخرجت من كلية تورنتو للفنون عام 1961.

وفي مرحلة لاحقة درست في جامعة نيويورك. تقول عن بداية معرفتها بالعرب: "كانت تسكن بجوارنا عائلة تدعى عائلة شاكر مكونة من أب سوري وأم لبنانية وخمسة أطفال، وكنت أقضي مع ابنتهما التي تماثلني في العمر أوقاتاً سعيدة.

وحين قررت الأسرة العربية إرسال الابنة لزيارة أقاربها, في بيت مرعي وزحلة بلبنان, رافقتها في تلك الزيارة، وقعت في غرام لبنان، فعدت إليه في عام 1966 لأستقر هناك ولأعمل رسامة متفرغة متجولة".

والتقت هناك بشاب فلسطيني اسمه فوزي محمد يعقوب، كان يعمل مدرسا للرياضيات في الجامعة الأميركية ببيروت، فتزوجته. ولم يقتصر عشقها على بيروت بل امتد ليشمل الشرق الأوسط، تقول: "جذبني الشرق الأوسط منذ سنيني الأولى.

أحببت الناس، والثقافة، والمعمار، والموسيقى، واللغة، والطعام، والملابس التقليدية، وبشكل خاص الصداقات التي عقدتها". علاقتها بالمملكة كانت من خلال مجلة (عالم أرامكو)، حيث بدأت عام 1970 وقضت شهرين لإصدار عدد خاص من المجلة بعنوان "نساء العرب: نظرة غير تقليدية".

وفي مايو من عام 1972 قدمت إلى المملكة لمهمة خاصة بعنوان: رسم المملكة العربية السعودية. خلال هذه الرحلة زارت الدمام والأحساء وجدة ومدائن صالح وعسير، ونفذت عددا كبيرا من اللوحات والصور الفوتوجرافية. استمر تعاونها مع مجلة عالم أرامكو حتى عام 1992. تقول: "عملي يغطي 33 عددا من مجلة عالم أرامكو بما يزيد على 200 لوحة".

والحقيقة أن أعمالها الفنية التي نشرت في تلك المجلة غطت 36 عددا وليس 33 عددا. ولم تقتصر أعمالها الفنية على مجلة عالم أرامكو بل كانت لها أعمال أخرى لصالح أرامكو شملت التقاويم والتقارير السنوية، والكتب المدرسية. ومن أشهر الكتب التي حوت رسوماتها كتابي أرامكو المدرسيين: "زائر أمينة ومحمد الخاص"، و"أرض وشعوب ومجتمعات الشرق الأوسط". وفي مرحلة لاحقة شاركت بالرسومات التوضيحية لكتاب: "الطبخ العربي اللذيذ في البحر الأبيض المتوسط من مكة إلى مراكش".

وتكتب حاليا مذكراتها عن رحلاتها في الشرق الأوسط.

وكانت وليامس قد عملت في بيروت مع عدد من المنظمات مثل اليونسيف، والأنرو، واليونسكو، فقدمت أعمالا فنية تخدم أهداف هذه المنظمات.

ومن أعمالها رسومات كتاب "كراس تمارين كتابي الإنجليزي الأول" مخصص لأطفال غزة، ورسومات ليوم الطفل في لبنان، و"دمى ورقية للشرق الأوسط" لصالح اليونسيف، ونفذت الرسومات الخاصة بدراسة الحلي الفضية العربية، والمجتمعات التي ترتديها والبيئة المحيطة في اليمن والعراق.