محليا، تابعنا تهادي طائرة عسير المجزأة عابرة الطرق والممرات والمضائق، في كل قرية أو مدينة كانت لها قصتها وحكايتها بعد أن تقاعدت عن مهمتها الأساسية متحولة لمزار سياحي، ركضت الصحافة لمتابعة الحدث اللافت بكل تبعاته وشكاوى الناس المختلفة، طائرة تتحرك على الأرض بعد أن كانت تعبر الأجواء وتملأ السماء بضجيج محركاتها، أسلمت قيادها لعدد من القاطرات الكبيرة لتقطع بها في أيام ما كانت تعبره في دقائق، لا الزمان زمانها، ولا المكان كذلك.
في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية، انشغل أقوام آخرون بالبحث عن الطائرة الماليزية ومحاولة فك سر احتفائها، غير مدركين أن الطائرات في العادة ترحل ساحبة أسرارها معها إلى أعماق المحيطات، طائرة "إير فرانس" فعلت ذلك 2009 قبل أن تصل لشواطئ البرازيل قادمة من باريس، وكذلك فعلت الطائرة المصرية الشهيرة 2000 بضباطها المدربين وقبطانها البطوطي، قبلها بمدة وجيزة أفلس سقوط طائرة كونكورد بالمشروع البريطاني الفرنسي الشهير، وظلت أميركا تطارد نظام القذافي سنوات طويلة بتهمة "لوكيربي"، حتى بعد دفع التسويات المالية، دفعت الأموال ولم يكشف عن الفاعل. سقطت طائرة عرفات في الصحراء الأفريقية 1993 وكتبت له الحياة، بينما ذهب الأمين العام للأمم المتحدة داج همرشولد ضحية في حادث مماثل أوائل السبعينات الميلادية. في قصص الطائرات لا أسرار تكشف ولا معلومات تشاع. الطائرات تأخذ معها أسرارها في رحلتها الأخيرة. الجهد البشري المتضافر ربما سيوفق في التوصل لبعض التفاصيل مع الماليزيين، وستكون صناعة الطيران العالمية مشغولة مع تحد أمني ومعلوماتي جديد وهي التي لم تسترخ أبدا منذ أحداث سبتمبر 2001. تتحول هذه القصص في العادة إلى تحد إنساني، كما في قصة عمال منجم تشيلي، أو البحث عن متسلقين مفقودين على قمة الهمالايا.
أما طائرة عسير فستتحول لمزار سياحي يضيف معلما ذا طبيعة استهلاكية، تعبر الطرق والممرات والمضائق، مجزأة على قاطرات لتقطع الكهرباء، مزاحمة العابرين، دون أن نعرف كيف فعلت هذا؟