إن النفس البشرية مزيج عجيب من الأفكار والمشاعر الإنسانية المتناقضة المتضاربة، فهي تفرح وتحزن، وتتألم وتتلذذ، وتتفاءل وتيأس، تبعا لمؤثرات داخلية وخارجية أصيلة وطارئة، وأغرب ما يكون الحال عندما تمتزج هذه المشاعر والأفكار وتتداخل في آن، فلا تدرك النفس البشرية كنه ما ينتابها ولا مبعثه، وتعجز عن توصيف حالتها وتصنيفها، وعن تحديد وضعها واستيعابه، ويشتبه عليها الأمر، ويستعصي عليها الفهم، فلا تدري فيما إذا كانت سعيدة أم تعيسة؟ طبيعية أم غير ذلك؟ سليمة أم معتلة؟ وهذه الحيرة تدهمنا غالبا في أحيان وحالات لا نحددها ولا نختارها، ولا نجد لها تفسيرا أو تعليلا علميا أو منطقيا.
فإن اندفعنا في عملية التحكم القسري بأفكارنا ومشاعرنا ـ دون تمهل وتمهيد، ودون إعداد وتعويد ـ فإننا نناقض بذلك طبيعتنا البشرية، وفطرتنا التي فطرنا الله عليها، ونتعامل مع أنفسنا تعاملنا مع الآلة الجامدة، التي يمكن برمجتها وضبطها مسبقا، وأحيانا بكبسة زر واحدة، كما أننا قد لا نراعي في اندفاعنا الاختلافات الفردية والقدرات الذاتية التي أوجدها الله فينا، وجعلها متفاوتة فيما بيننا، فليس أجمل ـ إذاً ـ من أن نكون على طبيعتنا وسجيتنا، وأن نتقبَّل أنفسنا على علاتها، بما فينا من نقص وقصور وعيوب، مع التدرج البطيء في عملية التغيير والتعويد، فنبدأ بتغيير المؤثرات السلبية الداخلية والخارجية، ثم في محاولة تعويد أنفسنا وتوطينها على التفكير الإيجابي البناء، وطرد الأفكار الضبابية والهواجس السوداء، والتخلص من نفايات عقولنا ومشاعرنا التي تعيقنا وتثقل كواهلنا، ومع المثابرة والعزيمة والإصرار سنلمس آثار التغيُّر الفعلي والتحول الحقيقي، وتظهر علينا بشائره ودلائله، ونبدأ بجني ثماره ونتائجه، فنجد أنفسنا أقرب إلى الطمأنينة والسكينة والسعادة والرضا والتوازن والثقة.
وما دمنا ـ بكل ما فينا ـ ننقاد لأفكارنا، وتنعكس آثارها علينا، فلا بأس من إيهام عقلنا الباطن وخداعه، بادعاء السكينة والسعادة والتظاهر بهما، حتى يستجيب لنا ويصدقنا، وترسخ فيه قناعاتنا الجديدة ومعتقداتنا. ولذلك فلنحرص على إدخال السرور والبهجة والسكينة والطمأنينة والقناعة والرضا إلى أنفسنا، ومع مرور الوقت سنعتادها وتصبح جزءا منا.