تستضيف الكويت، اليوم، القمة العربية الأفريقية الثالثة، بعد قمتي القاهرة 1977، وسرت الليبية 2010. ويشارك في القمة، التي تستمر يومين، رؤساء وكبار المسؤولين في 66 دولة عربية وأفريقية، لوضع أسس التعاون المستقبلي بين العرب والأفارقة اقتصاديا، وأمنيا.
وأكد عدد من الخبراء والسياسيين المصريين أهمية القمة العربية الأفريقية الثالثة التي تنطلق في الكويت اليوم تحت شعار "شركاء في التنمية والاستثمار". وتوقع الخبراء أن تكون القمة نواة لبدء تدشين علاقات تجارية واقتصادية على نطاق واسع بين القارة الأفريقية والدول العربية، لاسيما وسط اهتمام عربي بالغ وتطلعات أفريقية تسعى لإعادة الاعتبار لمكانة العلاقات التجارية والاقتصادية فيما بينهما.
تكتلات اقتصادية
وأشار الخبراء إلى أن القارة الأفريقية شهدت خلال العقد الماضي اتجاهاً ملحوظاً نحو التكتل الاقتصادي والسياسي الإقليمي، وظهرت تجمعات مثل "الأيكواس" و"الإيجاد" و"الكوميسا"، وغيرها، وتوج ذلك بقيام الاتحاد الأفريقي واعتماد برنامج الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا "نيباد". وعلى الصعيد العربي بدأ العمل على تفعيل العديد من التجمعات العربية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في ضوء مستجدات الواقع الراهن. كما بدأ تنفيذ منطقة التجارة العربية الحرة، إلا أنه وبالرغم من أشكال النجاح التي حققها التعاون العربي الأفريقي، ظلت العلاقات الاقتصادية والتجارية العربية الأفريقية دون المستوى المأمول.
جسر تواصل
وقال السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق، في تصريحات إلى "الوطن"، إن "مصر كانت البادئة منذ سنوات في خلق جسر تواصل بين انتمائها العربي والأفريقي، وتم الاتفاق مع جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي لعقد مؤتمرات قمة ثنائية، ووجود مصر في هذه القمة العربية في الكويت برئاسة رئيس الجمهورية الموقت المستشار عدلي منصور، يتيح الفرصة للقائه بالقادة العرب والأفارقة، ما سيساعد على إجلاء أي غموض بالنسبة للموقف المصري لدى بعض القادة".
وأضاف معصوم أنه "خلال هذا النوع من المؤتمرات، تكون الفرصة متاحة لعقد لقاءات ثنائية ورباعية وغيرها، كما تتاح مناقشة الإمكانات العربية من حيث الدول المانحة، ومصر واحدة منها في حدود إمكانياتها. ويتاح لمصر التحرك بين الأشقاء العرب والأفارقة؛ لتسهيل عملية دعم التنمية في القارة الأفريقية، وهذا يعطي لمصر دورا محوريا في المنطقة، لأنها تتحرك بين طرفين هامين مما يفتح آفاقا جديدة للاقتصاد المصري، وحضور الرئيس منصور للقمة يدل على اهتمام مصر بالمشاركة الرسمية، خاصة وأن العلاقات بين مصر والدول العربية والأفريقية تسير بشكل متوازن.
تعاون مشترك
وتابع معصوم بقوله إن قمة الكويت تمثل إضافة هامة للعمل العربي الأفريقي المشترك حيث إن التداخل البشري والجغرافي بين أفريقيا والعالم العربي سيعطي زخما وقوة، وهو أحد المقومات الأساسية التي ستبنى عليها هذه الرؤية الجديدة لمسار التعاون بين الجانبين؛ حيث إن من أولويات القمة المقبلة الاهتمام بإقامة مشاريع قابلة للتنفيذ وغير تقليدية من شأنها خدمة الشعوب العربية والأفريقية، خاصة أن 72 % من مساحة الدول العربية تقع في القارة الأفريقية. وتضم هذه المساحة دولا مهمة في الاتحاد الأفريقي، كما أنه تم إنجاز بعض المشروعات المشتركة بالرغم من الظروف التي تمر بها المنطقة العربية. ويتطلع الجانب العربي إلى أن تشهد ثلاث السنوات المتبقية من الخطة إنجاز ما تبقى من مشروعات الخطة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل ارتفاع مؤشر التبادل التجاري بين أفريقيا والدول العربية إلى أكثر من 8 % بعد أن كان أقل من 1 % قبل انعقاد قمة سرت الثانية.
تحفيز الشراكة
وبدوره قال السفير سمير حسني، ممثل الأمين العام لجامعة الدول العربية بالقمة العربية الأفريقية، إن "جدول أعمال القمة يتضمن دفع مسيرة التعاون بين الدول العربية والأفريقية، كما يحفز سبل تحقيق شراكة استراتيجية عربية أفريقية في كل المجالات، ومن المهم أن ترتكز العلاقات العربية ـ الأفريقية على تعزيز سبل التعاون العربي الأفريقي حول الزراعة والأمن الغذائي، حيث كان هناك اجتماع وزاري عربي أفريقي في المملكة العربية السعودية في أكتوبر الماضي وقدم تقريره حول التعاون في مجال الزراعة والأمن الغذائي، ووجود مصر شيء محوري ورئيس في القمة العربية الأفريقية المشتركة، فمصر هي التي دشنت التعاون بين الدول العربية والأفريقية في السبعينيات".
تبرع المملكة
يقول الخبير الأمني العميد محمود قطري لـ"الوطن" إن "من بين أهم النقاط التي أكد عليها وزراء الخارجية الأفارقة والعرب في اجتماعهم التحضيري للقمة هو التأكيد على أهمية التبرع الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمبلغ 100 مليون دولار لمركز مكافحة الإرهاب التابع لمنظمة الأمم المتحدة". وأضاف أن "هذه الخطوة تحتاج إلى تركيز أكبر بالنسبة للدول العربية والأفريقية، بصورة عامة، ومصر بصورة خاصة، حيث إن الأمن القومي لمصر هو رمانة الميزان بالنسبة للمنطقة العربية والقارة الأفريقية والخليج العربي، ومصر تعاني في الوقت الحالي من تمركز الإرهاب بها بعدما عانت على مدى السنوات الماضية من الاضطرابات الأمنية، وهو ما جعلها في حاجة إلى تفعيل محاربة الإرهاب بها من خلال إعادة بناء المنظومة الأمنية المصرية، وهو الأمر الذي يحتاج إلى تكلفة لوجستية واسعة سواء مالياً أو استراتيجيا.
تكاتف قاري
وتابع، ومن خلال تكاتف العالمين العربي والأفريقي مع مصر باعتبارها رمانة ميزان الاستقرار في محيطها العربي والأفريقي، يجب العمل على الالتزام بتعزيز التعاون بين أفريقيا والوطن العربي على أساس الشراكة الاستراتيجية التي تسعى إلى الحفاظ على العدل والسلام والأمن، وترتكز على مبادئ احترام السيادة الوطنية للدول وسلامتها الإقليمية، والتي ترتكز على عدم التدخل في الشؤون الداخلية وإدانة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره، فضلاً عن إدانة الجريمة المنظمة العابرة للحدود وجرائم الاتجار بالمخدرات والقرصنة والاتجار غير المشروع بالأسلحة والبشر، خاصة وأن العقدين الماضيين شهدا اتساع المهددات الأمنية المشتركة للعرب والأفارقة، مثل نمو ظاهرة الإرهاب الذي يستلهم نموذج القاعدة، ولعل منظمة "بوكو حرام" في نيجيريا وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي نموذجان ممثلان لهذه الظاهرة؛ فضلا عن ظاهرة القرصنة في شرق القارة وتهديد منظومة الأمن بالبحر الأحمر.
تحديات عالمية
من جهته أكد رئيس وحدة الدراسات الأفريقية بمركز "الأهرام" للدراسات الاستراتيجية، الدكتور هاني رسلان، أن الدول العربية والأفريقية لديها حرص شديد وتطلعات كبيرة للوصول بالعلاقات فيما بينهما إلى مستويات أعلى مما هي عليه، لاسيما في ظل التحديات والتكتلات التجارية والاقتصادية التي يعيشها العالم حالياً.
وأضاف رسلان، أن الدول العربية والقرن الأفريقي بما لديهما من مقومات من الممكن أن يصنعا تكتلاً اقتصادياً كبيراً، قادرا على المنافسة القوية، لافتاً إلى أن الوقت بات مناسباً تماماً لتطوير العلاقات العربية الأفريقية الاقتصادية المشتركة، وإحداث نقلة نوعية فيها تتماشى مع ما تطمح إليه شعوب المنطقتين.
نقلة نوعية
ويقول نائب مدير معهد التخطيط المصري القومي الدكتور سمير زكريا، إن قمة الكويت الثالثة ستسعى جاهدة للخروج بنتائج ملموسة فيما يتعلق ببناء علاقات تجارية واقتصادية عربية وأفريقية، مشيراً إلى أن التكامل الاقتصادي "العربي- الأفريقي"، سيكون بمثابة نقلة نوعية هامة، تمكن من سهولة الاتصال والتعارف بين رجال الأعمال العرب والأفارقة، كما أنها سوف تقوم بالتعريف بالمنتجات للأسواق العربية والأفريقية والدولية، الأمر الذي يمكن من زيادة حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والأفريقية، من خلال تعريف المستثمرين بفرص الاستثمار في الدول العربية والأفريقية والتيسيرات المقدمة والاتفاقيات العربية والأفريقية والاتحادات النوعية وأهدافها.
الاقتصاد أولا
وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، قد أكد أن تحضيرات القمة ركزت على الاقتصاد ليكون من أولويات أجندة القمة العربية الأفريقية، معرباً عن أمله في أن تدعم قمة الكويت فرص التقارب بين شعوب المنطقتين على أسس عصرية تحقق مصالح ملموسة.
إلى ذلك توقع الخبير الاقتصادي منصور البربري، أن ينجح الطرفان "العربي والأفريقي"، في إعادة تأسيس علاقات "عربية ـ أفريقية" على أسس واقعية، ومصالح استراتيجية تضمن استقرارها وتطورها في المستقبل، مشيراً إلى أن هناك رغبة أكيدة بالفعل من كلا الجانبين للوصول إلى هذا الهدف، وهو ما اتضح مؤخراً من الاهتمام الكبير من قبل القائمين على انعقاد القمة خاصة فيما يتعلق بالملف الاقتصادي. وأوضح أن كثافة التحضيرات للقمة عكست إصرار الكويت البلد المضيف والجامعة العربية ومفوضية الاتحاد الأفريقي، على تحقيق أعلى درجات النجاح للقمة وخروجها بنتائج تحقق الآمال المعقودة عليها.
أمن غذائي
ومن أهم الخطط المطروحة على قمة الكويت الاقتصادية، الخطة التي أعدها وزراء الزراعة العرب والأفارقة لتنمية القطاعات الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي المشترك، وأن المنطقتين العربية والأفريقية تزخران بإمكانيات زراعية هائلة تعد الأعلى في العالم، خاصة وأن هناك مقترحا كويتيا معروضا على القمة في ذلك.
ومن المتوقع أيضا أن تتطرق القمة إلى مسألة الضمانات الاستثمارية، التي يرى الخبراء الاقتصاديون فيها أهمية كبرى لطمأنة المستثمرين وتشجيعهم على الاستثمار في مختلف المجالات الاقتصادية في الدول العربية والأفريقية، خاصة وأن بعض الدول في القارة الأفريقية تعاني من الصراعات وعدم الاستقرار.