جهود جبارة تبذلها القيادة السعودية والحكومة السعودية في مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية لدعم الشباب ورعايتهم ومساندتهم وتحقيق طموحاتهم. وهي حقيقة نلمسها على أرض الواقع ولا يوجد دعم يحظى به الشباب في أي دولة نامية بحجم وعدد سكان المملكة، مثل الدعم الذي يحظى به الشباب السعودي في المملكة. ولا أود أن أعدد وأحصي أنواع الدعم فهي كثيرة ومتعددة وأهمها وأكبرها حرص القيادة على إيجاد فرص العمل اللائق للشباب، وتكليف الجهات المعنية بتوفير فرص العمل لتحقيق هذا الهدف، ورغم هذه الجهود فإن تراكمات الماضي من نسب البطالة دفعت أرقام المتعطلين السعوديين إلى الارتفاع. ولا أود أن ألقي باللوم والاتهام إلى وزارة معينة أو وزير معين أو إلى القطاع الخاص أو تقاعس رجال الأعمال في المشاركة لمعالجة القضية أو بسبب الشباب وتقاعسهم عن العمل أو قبول بعض أنواع العمل. وإنما أرى ـ وهذه وجهة نظري الشخصية ـ أن القضية يشارك في تكوينها جميع الجهات التي ذكرتها ويشارك كل منهم بالمسؤولية في جانب من الجوانب، ومن وجهة نظري أن السبب الرئيس في تفاقم مشكلة البطالة هو القصور في السياسات التعليمية.

ومع احترامي وتقديري لجميع الجهود التي بذلت خلال الخمسين عاما الماضية في تطوير التعليم بنوعيه والتي أخرجت لنا أجيالا متميزين من الأطباء والمهندسين وقادة الطائرات بأنواعها والضباط والوزراء والقضاة والعلماء والكتاب والمفكرين في مختلف المجالات، وأتشرف بأنني أحد مخرجات التعليم العام والعالي، إلا أن تفاقم مشكلة البطالة تدفعني إلى المطالبة بمعالجة المشكلة من جذورها وليس من نتائجها، وهذا ليس تقليلا من الجهود المبذولة من وزارة الداخلية ووزارة العمل ووزارات أخرى في موضوع إحلال السعوديين مكان العمالة الأجنبية، وهو حق من حقوق المواطنة ومن حقوق الدولة في رعاية مواطنيها وضمان العمل اللائق لهم لخفض نسب البطالة ونسب الفقر. إلا أن هذا الحل حل موقت لمعالجة قضية قائمة، ولكن لعدم تكرار مواجهة القضية في السنوات العشر أو العشرين القادمة نظراً لارتفاع نسب خريجي الجامعات والمدارس والمعاهد، فإنني أطالب بمعالجة القضية من جذورها. ومن وجهة نظري أن جذورها هي التعليم بشقيه العام والعالي والذي يحتاج إلى إعادة إصلاح في هيكلية المناهج والمتطلبات للتخرج، سواء في التعليم النظامي أم التعليم العالي.

رغم أن التعليم العالي أخذ يحقق نجاحات كبيرة في الجودة والتطوير في الأداء، إلا أنه يحتاج إلى قرارات إستراتيجية، منها تحويل بعض من الجامعات لتكون جامعات تقنية ترتبط الدراسة فيها باحتياجات سوق العمل، وقد كان هذا الاقتراح مقدما من وزارة التعليم العالي قبل إنشاء الجامعات الجديدة، إلا أن رفض هذا الاقتراح من اللجنة الوزارية المعنية آنذاك أدى إلى تكرار تجربة الجامعات الحكومية القائمة التي تسببت في المشكلة، إلا أن وزارة التعليم العالي استدركت الأمر بتوجيه هذه الجامعات الجديدة لتخصصات علمية تلبية لسوق العمل، وهو توجه في الطريق الصحيح. وإذا جاز لي الاقتراح فإنني أطالب وزارة التعليم العالي بتبني سياسة التعليم من أجل العمل. وإدخال التدريب العملي كمتطلب أساسي للتخرج ولعدد ساعات من 12 إلى 16 ساعة، أي "تيرم" كامل، وعلى أن يكون التدريب على رأس العمل في القطاع الخاص أو المشترك، خاصا وحكوميا، ونلزم هذه الشركات إلزاما مباشرا بتدريب طلبة الجامعة كواجب من ضمن الواجبات التي يحاسبون على رفضها.

إن تجربة جامعة الملك فهد تجربة ناجحة ومتميزة، وتجربة بعض الجامعات الأهلية أيضاً تجارب ناجحة أسهمت في تشغيل خريجي الجامعات قبل التخرج. أما الاقتراح الثاني فهو إلزام طلبة الجامعات بدراسة اللغة الإنجليزية كمتطلب أساس للتخرج وتجاوز امتحان اللغة الإنجليزية العالمية مثل "التوفل والأيلز" سيسهم في تأهيل الخريجين لمتطلبات سوق العمل.

أما التعليم العام فإن من أهم المتطلبات التطويرية هي تطوير المناهج وإعادة هيكلية المناهج مع الحفاظ على الأساس، وهو مناهج الدين واللغة العربية وإضافة اللغة الإنجليزية كلغة أساسية ثانية، وإدخال بعض المواد التقنية المهنية، وبعض من المواد التأهيلية للعمل التجاري أو الخدمي، وهذه الإضافات ستسهم في توجيه خريجي الثانوية العامة إلى تخصصات علمية وعملية ومهنية بعد حصولهم على شهادة الثانوية العامة، وتسهم في بناء القناعة لديهم لدخول المعاهد الفنية أو العمل لحسابهم الخاص. ولندفع الشباب للمعاهد الفنية، فإنني أقترح رفع الحد الأدنى للأجور لخريجي المعاهد المهنية، ليتساوى مع خريجي الجامعات أو أكثر درجة، وكذلك بالنسبة لنظام الخدمة المدنية، وإعادة هيكلة مناهج التدريب المهني لتأهيل الخريجين مستقبلاً لتكملة دراساتهم الجامعية في نفس التخصصات وهذه سترفع من حماس الشباب وتعالج المشكلة النفسية التي يعاني منها البعض لكون شهاداتهم دبلوما وليست جامعية.

ما يدفعني اليوم إلى هذا الطرح هو نتائج البحث الذي اطلعت عليه، الذي أعده فريق بحثي مكون من مجموعة من المتخصصين في إحدى الجامعات الأهلية، والذي أظهرت نتائجه أن حوالى 75 في المائة من المتعطلين عن العمل من السعوديين حاصلون على الشهادة الجامعية والثانوية العامة بنسبة 44,2% جامعيين و30,30% ثانوية عامة. آمل أن يكون هذا البحث دافعاً وحافزاً لنا جميعاً لنعمل وبكل الجهود لمعالجة القضية من جذورها.