رغم أنها تعد خط الدفاع الأول عن الأمراض المختلفة، باعتبارها الأقرب للمريض، إلا أنها لا تزال تعاني من القصور وضعف الإمكانات، فضلا عن عدم ثقة المراجعين بها إلى حد ما، إضافة إلى تعثر معظم مبانيها الحكومية كما أن المستأجرة أصبحت تضيق بمراجعيها.. هذا هو واقع الحال لمعظم مراكز الرعاية الصحية الأولية المنتشرة في كافة المحافظات والمراكز.

وفي رصد لـ"الوطن" اتضح أن بيئة العمل في تلك المراكز لا تزال دون المطلوب، فضلا عن ضعف التجهيزات، وعدم توفر الكوادر المؤهلة، وقلة إقبال الأطباء السعوديين للعمل بها، وعدم توفر التخصصات الرئيسة بها، إذ إن بعض المراكز لا يوجد بها سوى طبيب عام فقط، مما يضاعف من معاناة المرضى، ويضطرهم إلى مراجعة مراكز خاصة، أو الذهاب مباشرة إلى طوارئ المستشفيات الحكومية مما يتسبب في إحداث زحام ومضايقة المرضى من أصحاب الحالات الحرجة، رغم ما يعانونه من طول فترة الانتظار.

عجز الأطباء


ويشير المواطن علي البشري، أنه يفترض في مراكز الرعاية الصحية الأولية أن تغني المراجع عن مراجعة المستشفى إلا في الحالات المتقدمة، فيجب أن يتوفر في مراكز الرعاية الأقسام الرئيسة، ومن أبرزها الطب الباطني والأطفال والنساء والأسنان، ولا يمكن لها أداء دورها بفاعلية، ما لم تكن لها روافد تشمل مختبرات وأشعة وتجهيزات، وأكد أن الواقع الحالي لمعظم المراكز وتحديدا في محافظة سراة عبيدة، لا يوجد بها سوى طبيب عام، ومن النادر وجود طبيبة نساء، كما لا توجد بها مختبرات متقدمة، أو أشعة، وبالتالي فإن أغلب المراجعين يتجهون إلى طوارئ المستشفيات، أو إلى المراكز الخاصة، على اعتبار أن دور مراكز الرعاية الصحية أصبح دورها محصوراً في معالجة حالات البرد والأنفلونزا فقط.

وانتقد آل درويش التصاميم الجديدة لمباني المراكز، حيث تعاني من الضيق الجديد، وعدم وفائها بمتطلبات المركز.

مبان مستأجرة


أما المواطن فيصل آل راشد، فأوضح إلى أن بعض مراكز الرعاية الصحية لا تزال في مبان مستأجرة، وأثر ذلك سلباً على أدائها، إذ لا توجد بيئة عمل مناسبة، تخدم المراجعين والموظفين على حد سواء، مشيرا إلى أن ما يبعث على الاستغراب، أن عددا من الحالات يتم تحويلها للمستشفيات، وكان بالإمكان علاجها بالمراكز، إلا أن ضعف الإمكانات تحول دون ذلك، ومنها ما يتعلق بأمراض النساء والأطفال، وكذلك كثيرا ما يطلب طبيب المركز من المريض إجراء فحوصات طبية في مختبرات المستشفيات، من خلال تحويله إليها، وذلك يتطلب وقتاً، ويرهق المريض، إذ يفترض أن تكون الخدمات في موقع واحد.

وأضاف آل راشد: أن المريض تراكم لديه مع مرور الوقت انطباع غير جيد عن المراكز، وأنها تؤدي دوراً روتينيا، لا يفي باحتياجاته، ومن ثم ضعفت ثقته بها، وأصبح يتجه مباشرة إلى المراكز الخاصة، مهما كلفه الأمر.

ويضيف المواطن علي مريع، أن مراكز الرعاية معنية بتثقيف وتطبيب الأسرة بجميع أفرادها، ويتعين عليها متابعة المرضى من ذوي الأمراض المزمنة مثل مرضى السكري وضغط الدم، وأمراض القلب، وتوفير الأدوية اللازمة لهم.

ويقترح أن تلزم المراكز سكان الأحياء التابعين لها، من ضرورة إجراء فحوصات منتظمة ودورية لجميع أفراد الأسرة، على فترات زمنية تتفق وعمر المريض، والمرض الذي يعاني منه، حتى الأصحاء يجب أن يخضعوا للفحص، لمتابعة ما قد يستجد لديهم، وبما يسهم في الحد من مضاعفات بعض الأمراض. وأضاف مريع: أن الاعتناء بمراكز الرعاية، سواء من خلال دعمها بالكوادر البشرية، والإمكانات، سيحد من ضغط العمل في المستشفيات.

مشاريع متعثرة





ووصف علي الغزواني أن تعثر مشاريع إنشاء عدد من المراكز الصحية في منطقة جازان وبعض المناطق الأخرى أصبح هاجسا مقلقا عند الكثير من السكان، ففي محافظة العيدابي تتزايد يوما بعد آخر مطالب الأهالي بضرورة إكمال مشروع المركز الصحي المتعثر منذ سنوات رغم جاهزيته منذ أشهر مما دفعهم لتقديم شكاوى لإمارة المنطقة وصحة جازان، حيث تجاوب مدير صحة جازان مع الأهالي وقام قبل عدة أشهر بزيارة مبنى المركز المتعثر، والذي وجه في حينه بسرعة إكماله إلا أن شيئا من ذلك لم يتم.

وفي الخوبة يطالب أهالي القرى وزارة الصحة بسرعة إنجاز العمل في بناء المركز الصحي بالمروة خاصة أنه يخدم 12 قرية من قرى الحرث وأن المركز الصحي الحالي لا يعد صحيا لضيق مداخله.

ويقول محمد أحمد، إنه من غير المعقول أن يكون المركز الصحي يخدم 12 قرية من قرى الحرث، ولا يوجد به سوى طبيب عام واحد لخدمة أهالي هذه القرى، ولا يوجد هناك قسم نسائي والمبنى سيئ ويحتاج إلى تأهيل وكوادر طبية جديدة.

الطاقة الاستيعابية


وأشار الغزواني إلى أن مركز العيدابي يخدم سكانا من محافظات أخرى قريبة منهم، والذي يتسبب في ضغط كبير على المركز ويحرم سكانها من عدد من خدماته.

وأوضح محمد العقار أنه يستغرب من الحلول التي تستخدمها مديريات الصحة للمراكز المتعثرة والمستأجرة، ومنها دمج عدد من المراكز في مركز واحد مما يساهم في زيادة ومضاعفة أعداد المراجعين، ومثالاً على ذلك هو ما قامت به مؤخراً من دمج مستوصف الشامية بمنطقة جازان مع الجبل، والذي ضاعف العدد إلى أكثر من 60 ألف مراجع للمركز وسط غياب عدد من الخدمات عنه وقلة الأيدي العاملة، حيث إن الخدمة المقدمة فيه ستكون غير مرضية ودون المأمول للكثير من السكان.

مطالب بتهيئة المراكز


وطالب منصور زميم بضرورة تهيئة هذه المراكز بكل الاحتياجات مثل وجود أقسام للأشعة وعيادات الأسنان والمختبرات الطبية وطبيبات للنساء والولادة، إضافة إلى توفير الأدوية والكوادر الصحية حتى تساهم كل تلك المطالب في توفير خدمة مرضية للكثير من السكان وأهالي المنطقة.

ويرى زميم أن واقع ذلك المركز غير مرض وعلى الجهات المعنية أن تقوم بخطط شاملة لتطويره وتهيئته بالشكل المطلوب لتعيد ثقة المواطن في الخدمات الطبية التي تقدمه، حيث إن الدليل على انعدام هو لجوء المرضى لطوارئ المستشفيات العامة والحكومية وكذلك الخاصة.

غياب التعاملات الإلكترونية


ووصف علي الجابري أن جميع تلك المراكز لم تدخل فيها تقنية الحاسب الآلي، وأن الطرق التي تعتمد عيها تقليدية، حيث يستغرق البحث عن ملف المراجع في الأدراج لأكثر من ربع ساعة مما يجعلها عرضة للتلف والفقدان. وبين أنه يجب على الجهات المعنية بضرورة توفير أنظمة لحفظ تلك الملفات والسجلات، والتي سوف تساهم في سرعة الحصول على الملف وتقديم الخدمة الجيدة للمراجع وسوف يوفر الجهد والوقت للعاملين في تلك المراكز.

قرى بلا مراكز صحية


فيما يطالب عدد من سكان بعض القرى بالمنطقة بضرورة وجود مراكز صحية تخدمهم وتكون قريبة منهم، حيث إنهم في الوقت الحالي يلجؤون لمراكز صحية أخرى بعيدة عنهم، وأبدى أهالي قرى عياش استياءهم من نقص الخدمات الطبية بالمركز الصحي وعدم وجود أقسام عيادات تخدم المرضى.

وأوضح محمد ناصر أن مركز عياش الطبي بجازان يفتقر للخدمات الطبية وللعيادات، مما نضطر إلى الذهاب إلى مستشفى أبو عريش والمراكز الصحية الخاصة.

ويقول حسن عياشي "وجود طبيب عام لوحده يقدم العلاج لأكثر من 4 آلاف شخص من قرى عياش مؤسف جدا خاصة وأننا نعاني من عدم توفر الأدوية بالصيدلية ونقصها وعدم وجود عيادات أسنان وأشعة مما نضطر إلى قطع مسافات وأخذ مواعيد طويلة الأجل من المستشفيات ونأمل من مسؤولي الصحة بجازان الاهتمام بالمراكز الصحية وتوفير كل ما يحتاجه المواطن من أدوية وفتح عيادات وغيرها".

نقص الأدوية


ويقول يحيى علي "بعض المراكز الصحية يفتقد إلى القسم النسائي مما يدفعنا إلى الذهاب إلى المستشفيات الحكومية أو تحمل تكاليف مالية باهظة بالاتجاه إلى المستشفيات الخاصة، وهناك الكثير من الأهالي يعانون من ذلك لعدم توفر وسيلة النقل وغيرها. وطالب علي المسؤولين بسرعة العمل في تحقيق متطلبات المواطنين".

5 سنوات للقضاء على "المستأجرة"


من جانبه، قال مدير عام الشؤون الصحية بجازان الدكتور مبارك العسيري لـ"الوطن" إن "واقع المراكز الصحية هي فئات مختلفة والبعض منها تقدم خدمة ممتازة جداًّ ومرضية لمراجعيها، ولكن للأسف هناك مراكز أخرى قديمة ومبانيها متهالكة رغم وجود الإمكانات فيها من كوادر ومعدات وأدوية"، مؤكداً أن الوضع الحالي غير مرض من ناحية المكان وهناك خلل في اختيار الأماكن وتجديد المباني، ولذلك هناك جدولة على ثلاث مراحل لإحلال تلك المباني من مستأجرة إلى حكومية خلال 5 سنوات، مشيراً إلى أن وجود أقسام للأشعة والمختبرات تخضع لمعايير دولية وليس من المفترض أن يكون في كل مركز لتلك الأقسام والتي تعتمد على المساحة وعدد السكان.

وحول تعثر عدد من المراكز، أكد العسيري أن مشاريع مراكز الرعاية المتعثرة هي مشكلة ليست في جازان فقط بل على مستوى المملكة، ولذلك لم تستطع الشركات المنفذة تنفيذ تلك المشاريع في الوقت المحدد كون عددها كبيرا، وقال "استطعنا أن نتغلب على تلك المشكلة مؤخراً ونسعى على العمل على إنهاء الكثير من مشاريع تلك المراكز".

من جهته، أوضح المتحدث الرسمي لصحة منطقة عسير سعيد النقير، أن المديرية تواصل تنفيذ خطتها لتطوير مراكز الرعاية الصحية الأولية، وتطوير خدماتها، وحوكمت مبانيها، لافتاً إلى أنه تم خلال شوال الماضي اعتماد تنفيذ 68 مركزا للرعاية الصحية الأولية بالمنطقة بكلفة تجاوزت 244 مليون ريال، وبما يسهم في ترقية أدائها، وتوفير بيئة مناسبة للعمل.