تقول صحيفة "wall street Journal" في تقريرها الصادر في التاسع عشر من فبراير الماضي إن صفقة بيع منظومة "الواتس أب" بتسعة عشر مليار دولار قد استهلكت نصف مليار من خدمات مكاتب المحاماة وأتعاب الشركات القانونية لإكمال العقد القانوني لبيع الشركة. وكل هذه الأخبار من الأرقام المليارية معقول ومقبولة ومهضومة حتى نصل للرقم "الخيالي" المقابل في ثنايا نفس التقرير: سيكون من المذهل الصاعق أن تكتشف أن هذه الشركة المليارية في رأس المال وعائد الأرباح تعمل بـ55 موظفاً فقط، ومن هذا الرقم المتواضع البسيط تستطيع أخي القارئ العزيز، أن تستنبط هذه الفوارق المخيفة بين "عالمين" في البيزنس الجديد الذي يسمونه مجازاً تحت مصطلح "اقتصاديات المعرفة".
الشركة التي اشترت عملاق "الواتس أب" بهذه الأرقام المليارية، وبجهد مجرد 55 موظفاً، تعلن في اليوم التالي أنها ستضاعف أرباحا من "الفرع" الجديد إلى ثلاثة مليارات دولار في العام الواحد، فماذا تعني لنا في عالمنا العربي هذه المليارات الثلاثة؟ هذه المليارات الثلاثة من أرباح "الواتس أب" في العام الواحد تفوق بقليل من عشرات الملايين ما تدفعه أميركا منحة مساعدات عسكرية للشقيقة مصر، وتتفوق أرباح "الواتس أب" بالضعف المكتمل على رقم ذات المنحة الأميركية للجار العزيز الأردن. وكل هذا الابتزاز والمساومة الأميركية على هذه المعونات التي لا تصل إلا بعد سيل من التنازلات السياسية ومزيد من الضغوط للقبول بشروط المنحة الأميركية التي لا تصل إلا بعد مداولات "الكونجرس" وتصويته بالقبول أو بالرفض. خذ في المثال التقريبي الآخر أن مجرد 55 موظفاً في مدينة أميركية صغيرة جداً يديرون هذه الأرباح المذهلة، بينما تراوح دولة عزيزة مثل مصر بملايينها التسعين منذ عامين لإكمال شروط قرض من البنك الدولي بذات الرقم الذي وصل إليه مجرد 55 موظفاً في مدينة أميركية صغيرة. وأنا هنا أدق ناقوس الخطر في أن المسافة ما بين عالمين يعيشان على ذات الكوكب أصبحت مخيفة وشاسعة. إما أن هناك مشكلة في حجم العقل وقدرته وإما أن هناك مشكلة أكثر من هذا بكثير: ألا يوجد من بين 350 مليون مواطن عربي واحد يهدي شعبه وأمته فكرة مماثلة؟!!