هكذا إذن فعلتها الفارسة دلما ملحس! حصلت على ثاني ميدالية أوليمبية للسعودية (ميدالية برونزية) في تاريخها بعد العدّاء السعودي هادي صوعان الحاصل على الميدالية الفضية في أولمبياد سيدني (2000) وذلك في الدورة الأولمبية الأولى للشباب (14-18) عاماً، والتي أقيمت مؤخراً في سنغافورة (14-26) أغسطس 2010. وكان لفوزها صدى كبير، وحظيت الفارسة وإنجازها بتغطية إعلامية واسعة لعدة أسباب: فهي أول سعودية تشارك في دورة ألعاب أولمبية أو أي دورة رياضية رسمية محلية أو دولية، ناهيك عن فوزها الجميل، أي أنها لم تكن مشاركة "رفع عتب"، وهي بالمناسبة أول خليجية تفوز بميدالية أولمبية. وكما هو متوقع فقد أثارت مشاركتها بالأساس ثم فوزها ردود فعل متباينة.

أما الذين اعترضوا فقد كانت أسبابهم هي نفس الأسباب التقليدية في كل أمر يتعلق بالمرأة السعودية. وقد ردت دلما في مقابلة مع جريدة "الحياة " على أصحاب هذا الرأي بهدوء : "أحترم كل من ينتقدني، ولدينا عقيدتنا السمحاء التي لا نستطيع أن نخالفها، ولكن ما قمت به أنا ليس مخالفاً فأنا شاركت وأنا متحجبة إضافة إلى أنني كنت أصلي وأصوم طوال أيام البطولة، كما أن الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم أوصى برياضة الفروسية، وأنا في الأخير إنسانة مسلمة أفتخر بديني وشريعتي". وحقيقة سعدت بمعرفة ذلك عنها وأنا أجهز لهذا المقال، ولربما لو كان زيها الإسلامي أوضح لبدت أسباب اعتراضهم أضعف كثيراً، بل ولربما تحول بعضهم إلى التأييد إن لم يكونوا بالأصل متعصبين ضد المرأة. فمثلاً الإيرانيات يمثلن بلادهن بلا حرج وهن يحتشمن بطريقة إسلامية مميزة، فيكن بذلك خير سفيرات للوطن والدين.

أما المؤيدون والذين طاروا بالخبر والصورة والفوز، فقسم منهم سعيد بأن يصفق للنجاح لاسيما إذا كان من بنت البلد، وفارستنا تستحق هذا الاحتفاء لأنها تعبت كثيراً كما ذكرت والدتها، فقد كانت تتدرب يومياً منذ أن كانت في الرابعة، وحُرمت من التمتع بإجازاتها التي كانت تقضيها في تدريبات مكثفة في فرنسا، وبالتالي فلم يجيء فوزها اعتباطاً ولا مجاملة، وإنما حققته بفضل الله ثم مجهودها، وآن لها أن تفرح بنجاحها وأن يفرح لها الكثيرون. ولكن مصدر احتفاء القسم الثاني هو الذي أنا معنية به أكثر، هو لاعتبارهم أن إنجازها هذا يسجل كإنجاز للمرأة السعودية، ودليل على أن الأبواب شُرعت لها الآن لتبدع في مجالات عديدة ومنها الرياضة وقد كانت سابقا محرمة عليها، ويعدونها نصراً إعلامياً سعودياً ضد الدعايات السلبية في الخارج، والمتشددين في الداخل. فهل يحق لنا فعلاً الاحتفاء بدلما وإنجازها على هذا الأساس؟

حين نصفق لإنجازات المنتخبات السعودية المختلفة وحين نتيه فرحاً بإنجازات الرياضيين السعوديين فذلك لأننا نشعر بالفخر لأن بلادنا قد نجحت في صناعة هؤلاء النجوم عن طريق الدعمين المادي والمعنوي، وهو دليل على رقيها واهتمامها بالرياضة التي باتت اليوم أحد عناوين رقي الشعوب وتقدم الدول مثلها مثل الثقافة والفنون والتقدم المعرفي والتكنولوجي. فهل دعمنا كدولة هذه الفارسة مادياً أو معنوياً؟

والجواب هو لا كبيرة، فقد تحملت عائلتها كافة النفقات ومازالت، وحتى مشاركتها في هذه الدورة كانت على حسابها الخاص، ومع ذلك كانت الفارسة وفيَّة فارتدت هي وخيلها ألوان بلادها ابتداء، ثم أهدتنا فوزها، فكيف قابلنا ذلك؟ الجواب ربما نجده عند الأمين العام للجنة الأولمبية السعودية راشد الحريول الذي قال في تصريح لـ "الحياة" وكأنه يتبرأ من هذه المشاركة:" إن مشاركتها تأتي بصفتها الشخصية وعلى حسابها الخاص، بعد أن تلقت دعوة مباشرة من اللجنة الأولمبية الدولية". وهو يقول ذلك بالرغم من أن هذه الفتاة اليافعة كانت "محرم" الوفد السعودي المشارك، حيث إنه وحسب ما قاله مدير عام المجلس الأولمبي الآسيوي، الكويتي حسن مسلم إن (قانونا جديدا صدر) من اللجنة الأولمبية الدولية "بوجود كوتا نسائية في جميع الدورات الأولمبية بحيث تشارك رياضية على الأقل من كل دولة في الألعاب" (جريدة الرياض). مما يعني أنه مستقبلاً على السعودية أن تختار بين العزلة الدولية وعدم المشاركة، أو البحث عن رياضيات سعوديات جاهزات للمشاركة المشرفة، أو أن تبدأ في إرساء أسس الحركة الرياضية النسوية في البلاد.

أما أن هذا دليل على أن المرأة بدأت تأخذ حقوقها في مجال الرياضة، فهذه يمكن أن نسميها "كذبة أغسطس" أو "مزحة رمضان".! فالأنثى لدينا طفلة أو يافعة أو شابة أو سيدة ناضجة السن تكاد تكون محرومة من أي نشاط رياضي حتى المشي! ولا تحلم حتى بأن تركب الدراجة أو حتى الحصان "السيسي" في بيئة آمنة تراعي سنها ودينها وعادات بلدها وإمكانياتها المادية. بل لا توجد نوادٍ صحية بأسعار رمزية تستطيع المرأة فيها ممارسة تمارين اللياقة البسيطة التي تحفظ لها صحتها وجمال جسدها كما يطالبها به المجتمع. وخارج المدن الكبرى فإنه حتى خيار النوادي الخاصة التي يكلف الانتساب لها مبالغ فلكية غير مطروح أساساً.

لا بأس في أن نصفق لدلما على إنجازها، وأن نحتفي بها كما احتفينا بغيرها ممن حققوا أو حققن إنجازات عالمية باهرة، ولكن ليكن واضحاً في أذهاننا تماماً أن البلاد التي تمنع تنظيماتها الإدارية طفلة العاشرة من أن تمارس رياضة 1-2 في باحة مدرستها الابتدائية لا يحق لها أن تجيّر نجاح فارسة وصلت للعالمية لصالحها. عفواً يا بلادي فقد كان هذا نجاح دلما رشدي ملحس وليس - للأسف الشديد- نجاحاً للرياضة السعودية.