في مدينة برية كالرياض، ليس ثمة منصات للتمتع والترفيه، ما لم تصنع هذه الأماكن بفعل فاعل.. هكذا هي المدن الصحراوية التي يتقاسم الشتاء القارص والصيف اللاهب أيامها بالتساوي تقريباً، والرياض لا تطل على بحر ولا تستوي على جبل، فليس أمام قاطنيها، والحال كذلك، إلا مطاردة المسطحات الخضراء والروضات الغناء التي يجلبها المطر الموسمي، فترى الناس وهم يشدون رحالهم ذات اليمين وذات الشمال يفترشون الأرض الخضراء أو يجاورون بعض الغدران المائية، التي صارت "حبّالة" ومصيدة لإغراق متكرر بنفس الطريقة في كل موسم مطري يمر على الرياض وما جاورها، حيث تقع العديد من الأسر ضحية لهذا التهور السنوي، فيغرق أبناؤهم جماعياً وبشكل متتابع في محاولة من الشخص الرابع لإنقاذ الشخص الثالث الذي كان قد هب لإنقاذ الثاني، وهو من فزع لانتشال السباح الأول الذي أراد التمتع بالسباحة، وقد يغيب عن كثيرين أن مياه السيول تجرف الناس لسرعة اندفاعها، وأن ليونة التربة الطينية تكبل الأقدام على نحو يعجز معه السابح من انتشال قدميه مما يؤدي بالتالي إلى غرقه وغرق من يسعى لإنقاذه.

والرياض مدينة صاخبة وضاجة ومتمدنة، لكنها تفتقد مع كل هذا الصخب وكل هذا الضجيج إلى متنفس وإلى "مرابع ترفيهية" فيما عدا المطاعم التي صارت سلوة أهل الرياض وسعة صدورهم وجلاء أحزانهم وطرّاد همومهم، حتى غدت الرياض مدينة المطاعم بمذاقاتها المختلفة وجنسياتها المتعددة ومستوياتها المتباينة، ورغم جهود مراقبي البلدية الحثيثة التي يعلن عنها بين فترة وأخرى، إلا أن كثرة هذه المطاعم وانتشارها المذهل لا يسمح لمراقبي البلدية وصحة البيئة بالسيطرة على هذا الانتشار العريض للمطاعم، وبالتالي فإن مراقبة أدائها كلها في كل الأوقات أمر غير ميسور تبعاً لوفرتها وقلة حيلة المراقبين أمام هذا المد، وهذا ما يجعلنا نلحظ كثرة المخالفات عند هذه المطاعم كبيرها وصغيرها، سواء من حيث مستوى نظافة العمال أم بيئة العمل أم صلاحية المواد الغذائية التي تغطي كمية "تبهيرها" على "خياسها"!

هذا عدا ما يقع من مخالفات من ذبح لكل ما يدب على الأرض من "جحيشة الأنعام".

مدينة الرياض تحتاج إلى متسع آخر للترفيه، ومن ذلك مثلاً إنشاء صالات للسينما وتفعيل المسرح وتنشيط المهرجانات المتنوعة، وجعلها متوالية بحيث تغطي معظم شهور السنة ومن ذلك إطالة أمد مهرجان الجنادرية، وكذلك الحال مع مهرجان الزهور ومعرض الكتاب واستحداث مناشط للشباب يفرغون فيها طاقات قيادة السيارات بما يقلص من الرغبة في ممارسة التفحيط، وتطول قائمة الخيارات الترفيهية التي يمكن استخدامها وتنشيطها بما لا يتعارض مع قيمنا وعاداتنا الدينية والاجتماعية، وإلى حين تتوسع نافذة الترفيه لمدينة جادة وصارمة مثل الرياض فما علينا إلا أن نقول لأهلها: "عظم الله أجركم".