في هذه المساحة، كتب أحمد عسيري بأسلوبه الأدبي الأخاذ: "الأشعار الندية في طائرة أبها البهية"، سائراً على طريقته في مقال قديم، عن "كوبري" مدخل أبها الشرقي الذي لم يولد إلا بعد "تعسر"، وبرغم ذلك ولد "خديجا".
بالأشعار الاستهلاكية التي ابتكرها أحمد عسيري بين يدي رجل الأعمال "مضحي شراطيب"، أمتع وسخِر وقدم نصّاً أدبياً خالدا كخلود الـ"جامبو747" في أذهان أطفال القرى التي مرت بها، حتى إنهم سيؤرخون بـ"سنة مرور طائرة أبها".
أحمد عسيري فتح الأذهان بسخريته الأدبية، على كون الهدف أدنى من الجهد، والطريقة أسوأ من الطريق، والفكرة أوهى من القول.
وعلى الصفحة الأخيرة، كتب علي الموسى، بطريقته "العاكوسية": "أهل أبها في طيارة أم الركب" ـ و"أم الركب" هو اسم الجبل الذي سيشرف بالطائرة "التاريخية" ـ فسخِر من فعل صداه أقوى من صوته، وهوامشه أكثر من متنه، معتذرا من الذين أزعجتْهم "طائرة أم الركب" في أثناء مرورها المهيب بديارهم.
لست أجيد الكتابة بطريقة أحمد الأدبية الساخرة، ولا بأسلوب علي المقالي الماكر، ولست أجيد الكتابة عن الخدمات، بيد أنّ لي في "العقل"، وفي "الخطل الثقافي" - كما أزعم - ولذا أتساءل وأتساءل بجهل: "علام هذه الفكرة؟" و"لمه"؟ وهل اختفت البدائل، حتى اضطررنا إلى إزعاج "الأمن" "والساكنين" و"المسافرين" من المدينة المنورة إلى أبها، عبر مئات المدن والقرى؟
أتساءل ببراءة: ألم يكن من الممكن صناعة هيكل مطابق لهيكل الـ"جامبو747"، بتكلفة أقل من تكلفة النقل، وإعادة التهيئة؟
أتساءل بغباء: لماذا تذهب مشروعاتنا إلى المدى الأبعد في الصعوبة، بينما نحن نستطيع أن ننفذها بالأسهل والأوفر والأجمل؟
أتساءل بخبث: أيحتاج كل مشروع حكومي إلى عقود فوقها عقود، وإلى مقاولين يقاولون مقاولين ليقاولوا مقاولين؟
أتساءل بألم: أهذه ثقافة الإنجاز في العقل السعودي؟ أهي رفع التكلفة والتباهي بالأرقام، ونشر خبر يحوي: "بتكلفة قدرها....."؟
وبوضوح أقول: هل يحتاج كل مشروع حكومي إلى ابتكار الأساليب التي تضاعف تكلفته، حتى يكون مشروعاً ضخماً؟ وهل من الأمانة أن تعمد أي "أمانة" إلى صرف الملايين، على ما يمكن تنفيذه بمئات الآلاف؟
لا أفهم في شيءٍ من هذا، بيد أنني أعرف وأدرك أنّه لا يوجد فرد في الدنيا يصرف على أي مشروع عشرات أضعاف تكلفته الأساسية، فلماذا نستسهل ذلك مع المال العام، ثم نباهي به، وكأن مضاعفة "الهدر" منجز؟!
أتساءل على الدوام: أليست مشكلاتنا التنموية مشكلات ثقافية في أصلها؟
أجيب: نعم، وسؤال التغيير والنهوض والتقدم سؤال ثقافي على الدوام.
صدقوني أن بضعة حدادين، ومعهم مهندس "ديكور" وكهربائي، كانوا سيصنعون "لأم الركب" أحلى "جامبو"... ولكن: لك الله يا وطن..