لم تكن مجرد ساعات قليلة قضيتها في حفل تخرج الدفعة التاسعة، "4700" طالبة من مختلف كليات جامعة جازان، والدفعة الأولى من خريجات كلية الطب "52 خريجة"، بل قضيتها وسط خلية عمل يحركهم الإخلاص والتفاني لتنمية الإنسان الجازاني، ليس فقط أكاديميا، بل صحيا وثقافيا واجتماعيا وإنسانيا، فمنذ استقبالي للدعوة الكريمة لحضور الحفل، المقام على شرف الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، الذي لم أشهد حفلا مثله في الجامعات السعودية من قبل، وليست شهادتي وحدي، بل معظم الحاضرات ومنهن العزيزة الدكتورة لطيفة الشعلان عضو مجلس الشورى، وقد كنت أشعر بالجميع يعمل بفرح تلك اللحظة، بداية من مدير الجامعة معالي الدكتور محمد آل هيازع، إلى المسؤولين كافة، إلى الموظفين رجالا ونساء، كل في مجاله وتخصصه، وفي إتقان واحترام وفق معايير التنظيمات الدولية للاحتفالات الرسمية، مما جعلني أنبهر، فلم أعتد ذلك داخليا نتيجة ضعف العديد من الجهات لدينا في تنظيم هكذا مناسبات، لقد كان فريق عمل متوائما، لا تشعر فيه بغرور أحدهم بمنصبه أو شيفونيته بدرجته العلمية العليا على من هو أقل منه، كانوا يزفون خريجاتهم من بنات جازان بحب، وبعد مشاهدتي لذلك كله لم أستغرب أبدا أن تنهض جامعة جازان بهذه السرعة، رغم سنواتها القليلة في مخرجاتها التعليمية داخليا وخارجيا.

ربما كثيرون لا يعرفون قيمة هذه الفرحة الكبيرة، التي اعتمرت القلب لدى منسوبي الجامعة ومنسوباتها بجوار الأهالي في منطقة جازان، بتخريج الطبيبات والصيدليات، ومن مختلف التخصصات والكليات. كيف لا! وهم يشهدون انتهاء تلك المعاناة التي جعلت الكثيرات من بنات المنطقة قبل وجود هذه الجامعة يستسلمن لفقر أسرهن والبقاء في قرى نائية، لسوء المواصلات، مما يحرمهن من إكمال تعلميهن في إحدى الجامعات بالمدن الكبرى، التي كانت بمثابة الحلم لدى الكثيرات من بنات محافظات جازان، لكن اليوم الدراسة لا تتوقف فقط عند حدود بوابة جامعة جازان وكلياتها، بل إنها تبتعث طلابها وطالباتها لدرجة البكالوريوس في دورات تدريبية ولغوية شهرية علمية إلى خارج المملكة مجانا، فأي الجامعات السعودية تفعل ذلك؟! بجانب مبتعثيها للماجستير والدكتوراه، وأيضا تعمل على مشاريع تنموية في المنطقة، إذ افتتحت مئة وعشرين عيادة أسنان، أراحت أهالي المنطقة من مشقة السفر والمواعيد الطويلة في مستشفيات تبعد عنهم مئات الكيلو مترات، بجانب بناء فندق استثماري للجامعة، يفتح مجالا أوسع لفرص العمل، وتنفيذ مشاريع أخرى أكاديمية وتنموية تحت التنفيذ تخدم أهالي المنطقة، وكل هذا بميزانية تُقدر بمليار وسبعمئة وواحد وسبعين مليونا وخمسمئة وتسعة وثلاثين ألف ريال، اعتمدت لعام 2013، وهذا العام مليار وثمانمئة وواحد وخمسون مليونا ومئة وستون ألف ريال، وحين تقارنها بميزانيات جامعات أخرى تتجاوز تسعة مليارات وخمسة مليارات، ولا تجد لها أثرا على تنمية مناطقها، بل تؤدي إلى تخلفها وتراجعها تنمويا وفكريا فيما نقرؤه عنها بالصحف. تعرف جيدا أن الفرق لا تصنعه سوى العقول الوطنية المستنيرة، وأن مشاريع التنمية لا تحتاج إلى أرقام ضخمة من المليارات، بل إلى عقول أمينة قادرة على إدارة ذلك المال، ولو كان مليار ريال وبضعة ملايين بجانبها.