قليلة هي البحوث أو الكتب التي تتطرق إلى تاريخ إدارة الاقتصاد السعودي، وإن كانت هناك بعض رسائل الماجستير، أو الدكتوراة التي أعدت حول ذلك، فهي مدفونة في أرشيف هذه الجامعة أو تلك، ولم تعمم ليستفيد منها المجتمع.
ولذلك عندما طبعت مؤخراً رسالة دكتوراه في كتاب للباحث ستيفن هيرتوج، عن تاريخ المملكة الاقتصادي والإداري، فقد مثلت إضافة هامة، خصوصاً أن الباحث قد عمل في وزارة التخطيط السعودية، بالإضافة إلى عدة زيارات، ومقابلات مع كثير من الشخصيات ذات العلاقة بالموضوع. ولو أمكن تبسيط، وتلخيص أهم استنتاج توصل إليه الباحث حول أسلوب إدارة الاقتصاد السعودي (وهناك استنتاجات أخرى مهمة)، فيمكن تلخيصها فيما يلي:-
"السعوديون، عندما نجحوا في تنفيذ مشاريع معينة، فقد نجحوا بشكل باهر، ولكن بالمقابل عندما أخفقوا، فقد كان الإخفاق كبيرا أيضاً"، ولتوضيح وجهة نظره فهو يشير إلى نماذج من النجاح الباهر للسعوديين، ومنها صناعة البتروكيماويات، وأهم عوامل دفعها هما إنشاء الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وشركة سابك، وكذلك هيئة تطوير مدينة الرياض، وشركة أرامكو، والمؤسسة العامة للموانئ، وبرامج الابتعاث الخارجي، وهو يصل إلى أن سبب نجاح تلك المؤسسات والبرامج، هو ارتباطها بأعلى سلطة في الوطن، ومن ثم لم يكن لبقية الأجهزة الحكومية قدرة على عرقلة عملها، بسبب الدعم القادم من الأعلى.
ثم يلتفت الباحث إلى الاخفاقات، ويعزوها أيضاً إلى أنها بسبب تركها لتلاطم أمواج الجهات البيروقراطية، هذا يعترض، وذاك يتحفظ، وآخر يطنش، ورابع يعرقل .... ويضرب أمثلة من تلك الإخفاقات مثل: فشل خطط السعودة، والحد من الاستقدام، وفشل برامج تطوير المناهج، وفشل خطط توظيف المرأة.
قد يقول قائل إن نتائج ذلك البحث معروفة للكثير منا، ولكن أهمية ذلك البحث هو أنه معد من شخص غريب عن مجتمعنا، جاء وقضى وقتاً هاماً للتعرف على أدق تفاصيل حياتنا الإدارية، وتوصل إلى تلك النتائج. ولو قبلنا منهجية عمله، وحاولنا أن نحاكيها، فأغلب الظن أننا سنصل إلى ذات النتائج، وبعدها يكون السؤال الهام هو، هل تترتب على نتيجة حالات النجاح، توصية بأن تربط كل جهة حكومية، وكل مشروع، بأعلى سلطة إدارية، لكي تضمن إنجاز عملها؟ وإنجاحها؟ أو العكس وهو أن نبحث في حالات الإخفاقات، ونبحث عن حلول لربط الأجهزة البيروقراطية بعضها ببعض بطريقة تدفع إلى الأمام، بدلاً من أن تشد الجميع إلى القاع؟! أعتقد أننا لا نحتاج إلى إعادة اختراع العجلة، وسننجح لو أحضرنا مستشارين، ودعونا هذه المرة نغير من المستشارين الأوروبيين، والأمريكان، إلى مستشارين من سنغافورة أو كوريا الجنوبية، ليساعدونا في حل تلك المعضلات، شريطة تنفيذ التوصيات، وعدم وضعها على الرف، لأننا تاريخياً نفضل سياسة المجاملات، وحب الخشوم بين المسؤولين الحكوميين.
أخيراً، ونقطة هامة هي: لو حدث اقتناع بالحاجة إلى الإصلاح الإداري، فإن إيكال تلك العملية إلى ذات الجهات الحكومية التي تحتاج الإصلاح فهي عملية بمثابة الدوران في حلقة مفرغة، ولا بد أن تكون الجهة التي تقوم بالدراسة، والبحث، وتقديم التوصيات، هي جهات لا علاقة لها بالأطراف المراد إصلاحها، ولا بد من جهاز إشرافي مستقل، لمراقبة عملية التنفيذ، وإلا فستتكرر حالات الفشل مثل ما حدث في محاولات سابقة.