لدينا بعض العادات التي قد تحول بين الشخص وحقه، كضغوط العائلة والخوف على السمعة ونحوها، خصوصا إذا تعلق الأمر بالمرأة. بالرغم من أن بعض النساء قد يبقين تحت معاناة لا يعلمها إلا الله! وكذا ما يحصل من آباء أو أولياء تجاه أطفالهم من سوء المعاملة، ولا يتمكن حتى أقربائهم من المساعدة بسبب العادات والمحافظة على العلاقات والسمعة!
مثل هذه العادات السيئة يجب أن تكون محل اهتمام أي نظام يعالج مشكلة كالعنف الأسري، ويجب أن يضع ما يحُدّ من هذه العادات الجاهلية التي قد تمنع العدالة، ولوقف الظلم والاعتداء. وقد صدر مؤخرا نظام الحماية من الإيذاء، وكان خطوة مهمة جدا نحو علاج بعض مشكلاتنا المجتمعية التي كانت تحت الرماد لسنين ولم تخرج إلا بنبشها من خلال وسائل التواصل الحديثة للأسف! حيث نجد أحيانا خجلا حتى من نقاش مشاكلنا الحقيقية، بالرغم من أننا من أكثر الشعوب حديثا عن مشاكل الآخرين!
كم هو مؤلم ومؤسف عندما نسمع تلك الأحداث المتوالية من عنف وضرب وحبس لضحايا كثر بين وقت وآخر! ما حال الكثير من الفتيات أو الأطفال، خاصة أولئك الذين يعيشون مع غير آبائهن! إنها حالة إنسانية يجب أن يهتم المجتمع بها حقا.
لا شك أن صدور نظام في هذا الموضوع بحد ذاته يعد إنجازا، ولكن الحقيقة أن هناك الكثير الذي يجب علينا أن نقوم به في هذا المجال، كما أن النظام ولائحته التنفيذية يحتاجان إلى إعادة النظر في عدة أمور سأشير لبعضها باختصار هنا.
وربما أن من أهم الملاحظات على النظام أنه كان مُركّزا على حالات الإيذاء التي تقع على المرأة، وهذا أثر سلبا على حماية الطفل كثيرا، وقد كنت آمل أن يتم تفعيل دور المدارس والرقابة من خلالها على الأطفال الذين يتعرضون للإيذاء، وربما نحتاج كالكثير من الدول المتقدمة، إلى أنظمة متعددة تحمي المرأة والطفل، كلا على حدة، في مختلف الجوانب، وقد سبق أن كتبت بعضا من ذلك في مقال "كل يوم معنفة".
من أهم الملاحظات على النظام؛ أنه لم ينص على تأسيس مراكز للإيواء لمن يتعرض للإيذاء، وهذا أمر مهم جدا، ويجب ألا تخلو منطقة -كمرحلة أولية- من مركز واحد على الأقل. وكنت أتمنى لو حمّل النظام الأولياء/الأزواج/الأوصياء -حسب الحالة- تكلفة بقاء المعنفين في تلك المراكز لتكون عقوبة مضافة ورادعة، كما تقوم بهذا الكثير من الدول المتقدمة.
كما أن النظام لم يعالج مسألة من يحاول إعاقة تدخل وحدات الحماية الاجتماعية، بالإضافة لمن يتراخى من المسؤولين عن التدخل الفعال، حيث كثيرا ما يحصل تدخل من المعنفين واستغلال علاقاتهم الخاصة وربما قراباتهم لأجل تجاهل ومنع التدخل، خاصة في المدن الصغيرة والقرى، وكان من الواجب معالجة هذا الباب.
هناك بعض الثغرات في النظام تحتاج لمراجعة؛ مثل صياغة المادة 13 الخاصة بالعقوبات، حيث إن من قواعد الصياغة التشريعية أن تكون المادة الواحدة مؤسِّسة لشيء واحد، وأن لا تخلط بين موضوعين لمنع التشابك، وهذا ما حصل حيث في آخر المادة وبعد الفاصلة ورد التالي: "وفي حال العود تُضاعف العقوبة وللمحكمة المختصة إصدار عقوبة بديلة للعقوبات السالبة للحرية"، ونلاحظ أنه لا توجد فاصلة حتى بعد عبارة "تضاعف العقوبة"، مما يفيد بأن إصدار الأحكام البديلة مختص فقط في حال العود، كما أن إدراج هذه العبارة "وللمحكمة المختصة.." في هذه المادة ينقض العقوبة المقررة أعلى المادة نفسها في حال قرر القاضي إصدار حكم بديل وربما يكون مخففا، بالرغم من أن أعلى المادة ينص على السجن بما لا يقل عن شهر..! فضلا عن أن هذه العبارة غير واضحة، فما هي العقوبات السالبة للحرية تحديدا؟ وكنت أتمنى أن يُعالج هذا في اللائحة ولكنه لم يحصل حسب النسخة التي حصلت عليها.
وفي ملاحظة أخرى على اللائحة؛ نجد أنها في المادة 8/5 تنص على أحقية وحدة الحماية الاجتماعية بأن تأمر بتسليم الطفل للوالد الآخر ليعيش معه في حال تعرض للإيذاء من أحدهما، بالرغم من أن هذا الأمر (الحضانة الشرعية) تصدر فيه أحكام للقضاء غالبا، وحكم القضاء أقوى قانونا من أحكام صادرة بقرار وزاري، ومثل هذا الاختصاص يجب أن يصدر بمرسوم أو أمر ملكي فقط، وليس للائحة أن تضيف هذا إلا في حالة تقييد المادة في الحالات التي لا يوجد فيها حكم قضائي سابق، أو أن تضع آلية للكتابة للمحكمة تطلب منها النظر لتقضي بذلك بعد قناعتها.
وفي المادة 8/6؛ ربطت تمديد مدة الإيواء بموافقة "الوكيل المختص"، ولا أدري ما المقصود، حيث لم أجد لهذا المصطلح تعريفا! فهل هو وكيل المرأة أم ماذا؟
هذه بعض الملاحظات السريعة، التي لا تقدح في جودة النظام ولائحته اللذين سهر عليهما العديد من المختصين البارعين، ولكن يبقى أن الكمال ليس إلا لله، وربما أنني مخطئ في قراءتي، وأتمنى أن يكون في هذا المقال ما يفيد المختصين في وزارة الشؤون الاجتماعية.
أعود وأقول؛ كم من طفل أو امرأة بقي حبيس الظلم والبطش بسبب مرض الزوج أو الوالد أو الوليّ النفسي، أو بسبب تشدّده، أو لمرضه العقلي أو غير ذلك. كما قد يقع خطأ من طفل أو امرأة، ويأتي العقاب بالقتل أو التعنيف المبرح! وربما لم يقع خطأ أصلا ولكن لشبهة أو وسواس قهري يكون ضحيته ذلك الطفل أو تلك المرأة! هم ضعفاء ولن يَعِزّ قوم إلا بنصرة ضعفائهم.