في بلادنا يلجأ بعض المسؤولين في الأجهزة الحكومية والخاصة إلى الفرقعات الإعلامية عن أدائهم ونشاطهم لإقناع القيادات العليا أو المواطنين بنجاحهم في أداء واجباتهم وتحقيق الأهداف التي وضعت لها. وهي ظاهرة بدأت تبرز في السنوات الأخيرة، وتُحرك هذه الظاهرة المكينة الإعلامية الإعلانية لصالح هؤلاء المسؤولين، وفي غياب الباحثين المتخصصين في مراجعة هذه الفرقعات الإعلامية مع حسن نية المواطنين بالاقتناع بكل معلومة يصرح بها مسؤول كبير واعتبارها صحيحة ومن الواجب تطبيقها.
ويعتقد البعض من المتعلمين والمثقفين أن دور المراجعة والمتابعة والتدقيق في تقارير الوزارات والمؤسسات هو منوط بمجلس الشورى فقط، ويرى البعض الآخر أن مجلس الشورى هو جهاز استشاري يبدي الآراء وليس مسؤولا عما يتخذ من إجراءات بعد توصياته. والحقيقة لقد وُفقت القيادة السعودية بإنشائها هيئة حماية النزاهة بهدف حماية النزاهة وتعزيز مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهره وأساليبه.
وقد نصت المادة الأولى من اختصاصاتها على متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين بما يضمن الالتزام بها، ونصت المادة "14" من اختصاصاتها على تلقي التقارير والإحصاءات الدورية من الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة وفق ما تتطلبه الهيئة، ودراستها وإعداد البيانات التحليلية في شأنها واتخاذ ما يلزم حيالها.
وبناء على هذا الاختصاص أكدت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" الأسبوع الماضي في تصريح تناقلته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام المرئية والمقرؤة، أن البرنامج الوطني لإغاثة الباحثين عن العمل "حافز" الذي نفذته وزارة العمل بعد الأمر الملكي لدعم الباحثين عن العمل لم يحقق هدف إقرار الإعانة، كما أكدت الوزارة أن وزارة العمل لم تحقق أهداف استراتيجية التوظيف الصادرة عن مجلس الوزراء. وقد أرفقت الهيئة تقاريرها لمقام خادم الحرمين الشريفين، وذلك بعد متابعة الهيئة هذا الموضوع مع وزارة العمل وتبادل المكاتبات التي تستفسر وتطالب بالمعلومات والإحصاءات التي تدعم الوزارة التي أعلنت عنه في تنفيذ الأمر الملكي لدعم الباحثين عن العمل.
وأضاف تقرير "نزاهة" أن وزارة العمل لم تحقق أهداف استراتيجية التوظيف الصادر بقرار مجلس الوزراء في عام 1430 للسيطرة على البطالة وتوظيف أعداد من المواطنين والمواطنات تساوي أعداد الداخلين لسوق العمل، والتخفيض التدريجي للعمالة الوافدة، رغم انتهاء السنتين المحددتين كهدف مرحلي قصير المدى للسيطرة على البطالة، وكشف تقرير "نزاهة" أن عدد تأشيرات الاستقدام 1431، 1432 ارتفع بنسبة 14% بعد أن كان منخفضاً بنسبة 22% العام الذي قبله 1430 ـ 1431، في الوقت الذي كان يتوقع أن جهود وزارة العمل وحملاتها ومؤتمراتها وندواتها وتصريحات مسؤوليها ستسهم في خفض نسب الاستقدام.
ورداً على تقرير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" رفض مدير عام صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف" تقرير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، متهماً في برنامج "يا هلا" على فضائية خليجية الأسبوع الماضي، الشباب السعودي بالرفض للوظيفة المناسبة، وأكد مدير عام الصندوق أن المخالفات التي تحرم الشباب من "حافز" تتمثل في رفض المتقدم لعرض عمل مناسب أو التخلف عن حضور التدريب. ويأتي رفض مدير عام صندوق الموارد البشرية لتقرير "نزاهة" بمثابة تشكيك في تقرير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عندما تساءل عن المستندات التي استندت عليها "نزاهة" في تصريحاتها. وأجزم أنا شخصياً بأن "نزاهة" لم تصدر تقريرها من فراغ أو من سراب أو من معلومات مغلوطة أو غير دقيقة. وهذا يدفعني إلى الاستغراب من ردة فعل بعض المسؤولين في الوزارات أو الهيئات أو المؤسسات الحكومية إذا لم يأت تقرير "نزاهة" حسب مزاجه أو رغبته، فيتجه إلى رفض التقرير والتشكيك في بياناته وأرقامه ونتائجه.
إن تجاوز المسؤولين في الدولة حدودهم بتوجيه اتهاماتهم لجهاز أنشئ بقرار من الملك وبموافقة مجلس الوزراء محدد الاختصاصات والمهام يُرفع تقريره مباشرة للملك، فإن هذا التجاوز سيضعف من عمل الهيئة وهيبتها وستكون تقاريرها روتينية ولا قيمة لها ولا مصداقية فيها وهو أمر نرفضه ولا نقبله. فالهيئة قوتها ومصداقيتها من ثقة ولي الأمر في القائمين عليها، وثقة المواطنين فيها مما دفعهم إلى وضع آمالهم الكبيرة على تقاريرها، وهي الأكثر والأقرب للمصداقية لأنها جهة محايدة، ولو صدر النقد من كاتب مثلي أو محلل اقتصادي وعمالي فيمكن بكل سهولة أن تطعن الجهة المعنية بحجة عدم توفر البيانات المحدثة لدينا، ولكن إذا كان الطعن في تقرير هيئة مكافحة الفساد فهذه كارثة تحتاج إلى وقفة.
متمنياً أن تكلف هيئة مكافحة الفساد "نزاهة" بالاطلاع على جميع تقارير وتصريحات المسؤولين للتأكد من حقيقتها، منعاً من التضليل للرأي العام. وأتمنى من هيئة الفساد "نزاهة" أن تتعمق في البحث والدراسة للرد على المشككين في تقاريرها. وأقترح على صانع القرار تكليف "نزاهة" بمراجعة تقارير الوزارات ومطابقتها بالواقع ونتائج الخطط على أرض الواقع. وعلى وجه الخصوص مطابقة تصريحات المسؤولين المبالغ فيها مع الواقع.
وإذا جاز لي الاقتراح فإنني أقترح بأن لا يسمح لأي جهة أو مسؤول بالرد على تقارير "نزاهة" عبر الإعلام، لأن تقارير "نزاهة" موجهة لخادم الحرمين، وهو صاحب الصلاحية في التوجيه والرد.