في عام 1954 أطلقت شركة البث الوطنية NBC برنامجها الحواري المنوّع: "عرض الليلة Tonight Show" الذي كان ضربة معلم نحو سرقة جمهور الإذاعة إلى جهاز التلفزيون، وهو القادم الجديد حينئذ. كانت الفكرة بببساطة تقديم برنامج "ثرثرة" مسائي خفيف، مع شيء من الترفية البريء.
يعتمد البرنامج في هيكله الأساسي على مذيعٍ أساسي، ذي شخصية مرحة ومقبولة من غالبية أطياف المشاهدين، بحيث يعلق بسخرية ومرحٍ على أغلب الأحداث الراهنة، السياسية والفنية والرياضية وغيرها، مع استضافة كافة أنواع المشاهير وأبطال المشهد المحلي، والحديث معهم بمرحٍ وخفة، والتركيز على الجوانب الإيجابية والطريفة من حياتهم وفي مشاريعهم، مع تقديم وصلات متنوعة من غناء الفرق المحلية، والمشاهد الكوميدية والمنافسات المضحكة. نجحت الفكرة بجذب أعداد متضاعفة من المتابعين، بل إن المثير في الأمر أن البرنامج لا يزال يذاع حتى الآن، وتعاقب عليه ستة مذيعين فقط، أضحوا مشاهير بسببه، وآخرهم "جميي فالون"، الذي استلم العرض قبل أسابيع بعد أن تجاوز ستة عقود من البث شبه اليومي المتواصل، ليتحول إلى أيقونة أميركية بامتياز.
يعتقد النقاد أن نجاح فكرة البرنامج يعود إلى أن المشاهد الليلي للتلفزيون يجنح نحو برامج الترفيه المتنوع، لا إلى برامج النكد والصراخ أو حتى حوارات "تلميع" النجوم، كما يحدث حالياً في معظم برامج "التوك شو" العربية، التي لم يقترب أي منها حتى الآن لفكرة هذا البرنامج، الذي استنسخ ليس في قنوات منافسة وحسب، بل وحتى في نفس القناة التي تنتجه، فأضحت تبث برنامجاً مشابهاً بعده، بعنوان: "عرض الليلة المتأخر"، لمن فاته البرنامج، أو سهر متأخراً.
وبالطبع أن ترسم الابتسامة مرة واحدة على وجه متابعٍ مجهدٍ قبل أن ينام أمرٌ ليس بالصعب، ولكن أن تستمر على ذلك ستين عاماً فهذا هو المستحيل بعينه!