بالرغم من أن "الهمزة" ليس لها ذكر ضمن الحروف الأبجدية، إلا أن لها مكانة كبيرة عند مسؤولينا في الوزارات والدوائر الحكومية، خاصة في اتصالها الرومانسي مع الألف، وتحديدا في صيغ التفضيل "أكبر، أجمل، أحسن، أكثر، أفضل" فلو تصفحت ـ على سبيل المثال ـ الكُتيبات التي تصدرها وزارة العمل وصندوق تنمية الموارد البشرية عن برامج "حافز" و"نطاقات" و"لقاءات" ستجد الكثير من صيغ التفضيل والمبالغة.

وإليك عزيزي القارئ بعض العبارات عن صيغ التفضيل: "أكبر مبادرة وطنية"، "أكبر تجمع وطني"، "أول ملتقى من نوعه بين صاحب العمل وطالب العمل"، "أكبر قاعدة بيانات"، أما عبارات صيغ المبالغة: "حلول مستدامة"، "شراكة فعلية للقطاعين العام والخاص". مثل هذه الصيغ في واقعها تجعل المواطن في حيرة من أمره، بين ما يسمع أو يقرأ وبين الواقع الذي يعيشه؛ فقبل عدة أيام أصدرت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" تقريرها للعام المالي 1433- 1434، الذي أكدت فيه أن وزارة العمل لم تحقق الهدف من إقرار إعانة الباحثين عن العمل "حافز"، وتوفير فرص العمل لها في القطاع الخاص.

وأضاف التقرير أن وزارة العمل لم تحقق أهداف استراتيجية التوظيف الصادرة بقرار مجلس الوزراء في عام 1430، للسيطرة على البطالة، وأن جهود الوزارة كانت تصطدم دائما بمقاومة شديدة من القطاع الخاص، لإحباط أي محاولة توظيف للمواطنين، وأشار التقرير إلى أن طبيعة العمل في القطاع الخاص، لا تتناسب مع ظروف والتزامات المواطنين الأسرية والاجتماعية، الأمر الذي أسهم في الحد من توظيف السعوديين في القطاع الخاص. إنني أتساءل: لماذا تتشدد وزارة العمل مع المواطنين في برنامج "حافز" بالتحديث الإلكتروني الأسبوعي وحضور الدورات والإنقاص من الإعانة المالية، وفي ذات الحال لا نرى مثل هذا التشدد مع القطاع الخاص؟

جميع الدول الحديثة لديها جهات مسؤولة عن تنظيم سوق العمل في القطاع الخاص، وتحسين بيئة العمل لتكون جاذبة من حيث الأجور وساعات العمل، ولكن لماذا إذا جاء الحديث عن القطاع الخاص يأتي أحد المسؤولين لدينا ويصرح بأن أساس ومنهج وزارة العمل هو توجيه وإرشاد، وليس عصا نضرب بها القطاع الخاص؟ ما هذه المفارقة؟ والأدهى والأمر أن أحد رجال الأعمال يصرح على الملأ ـ قبل شهرين ـ تقريبا في إحدى القنوات الفضائية بتصريح ناري يقول فيه: إنه توجد توصية أمام لجنة برئاسة معالي وزير العمل بأنه: يجب على الدولة أن تدفع كامل رواتب السعوديين الذين تطالب الحكومة بتعيينهم في قطاع التشغيل والصيانة والمقاولات! نعم.. هذا نتيجة الدلال الزائد! في الماضي استطاع القطاع الخاص أن يحمل الدولة نصف أجور المواطنين العاملين، والآن أصبح يطالب الحكومة وبكل جراءة وضرس قاطع، وبتشجيع من المؤسسات الرسمية بصرف كامل الأجر! وهنا يحق لنا أن نسأل أيضا المسؤول الأول في هيئة مكافحة الفساد "نزاهة": هل تراجعتم بعد حديث "حافز" عن تصريح معاليكم ـ قبل أشهر ـ بعدم تأثير الفساد على التنمية والنهضة الاقتصادية وإقامة المشاريع في المملكة؟