أكاد أجزم أن الجميع سمع بالاختراع القادم مؤخرا من الشقيقة مصر، وهو جهاز علاج فيروس "الإيدز"، وكذلك فيروس "التهاب الكبد"، الذي أضيف إليه لاحقا علاج "السرطان" و"الصدفية"!

بالطبع ضحك الكثيرون على هذا الاختراع العجيب، الذي يتعارض مع أبسط مبادئ العلوم الصحية، لكن المشكلة أن هذا الاختراع قد حجز مساحة كبيرة في وسائل الإعلام المصرية، التي تعد أعرق تجربة صحفية في المنطقة العربية.

أيها الأصدقاء، لست مع إلقاء اللوم فقط على جمهور المخترعين أو بعض المتسلقين، فهم يستهدفون الترويج لإنتاجهم مهما كان، لكن اللوم يقع على من يوافق على نشر مثل هذا الهراء دون مراجعة، والذي تضاعف مؤخرا في صحافتنا السعودية، وبالذات مع نشر أخبار أبنائنا المبتعثين، الذين يتفنن بعضهم في "الهياط" العلمي والمبالغة الإعلامية، لتتلقفه صحافتنا دون نقد أو تمحيص، وينشر تماما كما أرسل إليها، وكأنما هو إعلان تجاري؛ بيد أنه ليس مدفوع الثمن.

وبالطبع، فإن غياب المحرر العلمي في الصحافة العربية كلها؛ جعل صحافتنا التقليدية ومن ورائها الصحف الإلكترونية تعج بكل ما هب ودب، من اكتشافات غير صحيحة، واختراعات أقل ما يقال عنها إنها غير واقعية، فضلا عن أن بعضها ليس اختراعا بحد ذاته، بل هو إعادة شيء موجود أصلا، وفي أفضل أحواله مجرد نموذج هندسي مختلف لاختراع موجود قبل ذلك.

كل هذا وأكثر هو ضريبة غياب المحرر العلمي المتخصص في الإعلام المحلي، فهو خط الدفاع الأول لمثل هذه الممارسات، وهو القادر على نقد الأفكار والمخترعات الجديدة، بل ومؤهل ـ أيضا ـ لتبسيط العلوم الحديثة والمستجدات العلمية، وجعلها في متناول جميع فئات المجتمع، لا أن تتحول صحافتنا إلى وعاء ينشر أي شيء فقط.