ما الذي يحدث للشقيقة قطر، وما الذي يحدث منها؟
مرت قطر بعدة تحولات منذ الانتقال من حكم الأب خليفة إلى حكم الابن حمد ثم أخيرا من حكم الوالد حمد إلى حكم الابن تميم.
كانت قطر "جزيرة" هادئة ومستكينة، ثم بدا لها من بعد تولي حمد بن خليفة أن تنزع عن نفسها حالة المسكنة لتؤوب إلى مرحلة مغايرة تماما لما كانت عليه من قبل، وقد نبذت السكون وجعلت لنفسها منصة يتقاطر إليها الآبقون والمتذمرون المنصفون، وغير المنصفين، يردحون ويشطحون ويمارسون الصراخ واللطم والشتم، حتى علا الصوت والضجيج، وأقلق الجوار وأزعج الكبار، وكان نزق قطر يؤخذ على أنه من شقاوات الصغار، ورغم استدامة الصخب، فإن المنزعجين في المشرق والمغرب أطالوا غض النظر عما يحدث من أختهم الصغرى "قطر" مما حسبت معه هذه الشقيقة أن هذا "التطنيش" أو التسامح نابع عن ضعف وعجز، وهكذا فإن إخوتها الراشدين لما قاموا بنصحها وإرشادها قالت: إنما أوتيته على علم عندي، وهكذا تغررت الصغرى وتكبرت ثم نظرت وقالت: إنني قطر.
من حق كل أحد أن تكون له السيادة في بيته وأهله، لكن في حدود ما لا يتجاوز المكان والمكـانة، وله الحـق في ممارسة كل التصرفات في حدود ما لا يتصادم مع حقوق الآخرين.
ولقطر الحق كل الحق أن تلعب دورا يتسق وإمكاناتها المادية، وينسجم مع تطلعاتها لتكون أحد اللاعبين في الإقليم، لكن بما لا يجعلها تمحو في النهار كلام الليل، وتبصم من جهة، وتمحو من الأخرى.
كنا نقول إن الإعلام سلاح ذو حدين، وتأكد لنا أن الحد القاطع هو الذي يغري قطر، ويجعلها تلعب بالنار وتحرق نفسها، في نفس الوقت الذي تشعل فيه الحرائق في بيوت إخوانها.
وهذه محصلة الضخ الإعلامي الذي كانت تنثره "الجزيرة" يمينا وشمالا. لا شك أن "الجزيرة" قد خلقت لنفسها مكانة ليست مسبوقة على نحو رفع هامش الحقوق والحريات في المنطقة العربية، لكن التمادي في رفع سقف التعبير فتح الباب على مصراعيه في البرامج الحوارية، حتى رأينا تطاير الأحذية والزعيق والسباب والبعوض والذباب، مما أفرز نوعا سلبيا من السجالات العربية، التي قدمت لنا مهرجين يتلاعبون بالمزاج العربي يمنة ويسرة، والأكيد أن الآثار السلبية لهذا الاختراق الفضائي للناموس العربي المستكين، قد أورث شيئا من الحروق والدمامل، وردات الفعل السلبية عند كثير من الدول العربية، التي استكانت لأمد طويل على قدر كبير من قيم المجاملة والتغاضي لكن "الجزيرة" التي نشرت غسيل الآخرين في وضح النهار تخبئ غسيلها في الظل.
وإذا كانت قطر تتلقى التشجيع والمؤازرة من الذين يغررون بها، ولا يرجون لها ولا لأشقائها خيرا، فإن مصيرها أن تدرك ولو بعد حين أن الدم لا يصير ماء، وأن أسباب الاجتماع أكثر من أسباب الافتراق، وأن المشتركات بين دول المجلس أكثر من الاختلافات، وأن كُلا ميسرٌ لما خلق له ومعه، فلا يصح أن "تمد رجليك أبعد من لحافك".