في يوم الخميس الماضي "6 مارس" عقدت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي جلسة لمناقشة الوضع في سورية، تعرضت فيها سياسات الحكومة الأميركية في سورية وأوكرانيا لنقد شديد.
فمن الواضح أن مغامرة الرئيس أوباما في قبوله الشراكة مع روسيا لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة السورية قد باءت بالفشل في سورية، وربما شجعت روسيا على التدخل في أوكرانيا، وهو ما أثار حفيظة الكونجرس. ولكن، عندما يزور الرئيس أوباما المملكة العربية السعودية والمنطقة في أواخر هذا الشهر، ربما يجد أن أزمة أوكرانيا قد تساعد على التوصل إلى حل في سورية؛ فعلى الرغم من تعقيد المشكلتين واختلافهما في كثير من التفاصيل، فإن بينهما نقاط التقاء كثيرة أيضا، وأهم ما في الأمر أن انشغال روسيا بأوكرانيا يجعل من الممكن تحقيق تقدم في سورية.
كانت لجنة الشؤون الخارجية قد خصصت جلسة يوم الخميس لمناقشة الأوضاع في سورية، إلا أن أعضاء اللجنة والخبراء الذين تحدثوا أمامها سرعان ما تطرقوا إلى أوكرانيا. وقال رئيس اللجنة، وهو سناتور من الحزب الديموقراطي، حزب الرئيس أوباما: "إن أوكرانيا هي بمثابة غوريلا عملاق حجمه 400 كجم، فلا يمكن تجاهلها، كما لا يمكن تجاهل حقيقة أن روسيا موجودة في البلدين. فدعمها للأسد في سورية، وغزوها واحتلالها لأجزاء من أوكرانيا كلها توضح أن بوتين لا يلعب دور رجل دولة في القرن الحادي والعشرين".
وكان انتقاد أعضاء الكونجرس الجمهوريين، على وجه الخصوص، لحكومة أوباما حادا وجارحا. إذ قال السناتور "ليندسي جراهام" من كارولينا الجنوبية "لدينا رئيس ضعيف ومتردد، وهو بذلك يشجع العدوان". وقال السناتور "جون ماكين"، إن "سياسة أوباما الخارجية لا يمكن لأحد الاعتماد عليها، كما لم يعد أحد يصدق بأن أميركا قوية".
ويرى الكثيرون في واشنطن وخارجها أن تردد أميركا في سورية وتراجعها قد أسهما في التطورات الأوكرانية، ويقولون إن روسيا بَنَتْ قراراتها في أوكرانيا على ما رأته من تنازلات أميركا في سورية. ورأت في "إعادة تقييم" سياسة أميركا في سورية علامة ضعف تدل على عدم استعدادها لاستخدام القوة والحزم لحماية مصالحها. ولذلك، فإنها لم تحسب أي حساب لردة فعل قوية من جانب أميركا والغرب حيال تدخلها في أوكرانيا واقتطاعها لشبه جزيرة القرم.
ولذلك انتقد السناتور الجمهوري "بوب كوركر" من ولاية تينيسي "البيئة المتسامحة" التي أوجدتها أميركا من خلال "إعادة التقييم" لسياستها في سورية، "معتقدة أن مَن هم مثل بوتين يستجيبون لدواعي دفء العلاقة والصداقة والكلام الطيب، في حين أنهم يستجيبون لمنطق الضعف الذي رأوه في سياستنا الخارجية على مدى العام الماضي.... فلم يكن بوتين يتوقع أي ردة فعل من قبلنا".
وبالطبع لا يوافق أنصار الرئيس أوباما على وصف سياسته تجاه سورية بأنها ضعيفة، ولا يمكن الاعتماد عليها، ولكنهم يعترفون بأنها مترددة وغير مستمرة، مما سمح لروسيا باغتنام الفرص. ومنهم السفير "فريد هوف" المندوب الأميركي السابق الخاص لسورية، حين قال بدبلوماسية "إن مقاربتنا لأزمة سورية لم تثبط مقاربة بوتين في أوكرانيا".
وبالمقابل يرى الخبراء أن سياسة روسيا مستمرة وواضحة. ففي سورية وأوكرانيا، تقدم روسيا مصالحها القومية قبل الاعتبارات الأخلاقية، والحلول السلمية، ولا تهتم بما يريده المجتمع الدولي أو القوى الإقليمية. ووفقا لهذا التحليل، فإن انشغال روسيا بأوكرانيا، حيث مصالحها أكبر وأعمق، قد يمنح فرصة للتقدم نحو حل لأزمة سورية، حيث مصالحها أقل.
وعلى الرغم من أن الرئيس أوباما وافق العام الماضي على تجربة المسار الدبلوماسي، بناء على اقتراح روسي، لحل الأزمة السورية، إلا أنه اعترف مؤخرا بأن الدبلوماسية لم تأتِ بنتيجة، فعملية جنيف لم تُثمر، بل استغلها النظام غطاء لتصعيد حملته العسكرية ضد المقاومة. وخلال جلسة لجنة الشؤون الخارجية يوم الخميس، أقر نائب وزير الخارجية الأميركية "ويليام بيرنز" بأن الولايات المتحدة قد أصيبت بالإحباط بسبب عدم استعداد روسيا للضغط على نظام الأسد في أي مجال، بما في ذلك السماح بدخول المساعدات الإنسانية.
وفي أوكرانيا يبدو أن روسيا بعد أن ضمت شبه جزيرة القرم قد بدأت في تشجيع الحركات الانفصالية في مناطق أخرى، إذ نرى مظاهرات موالية لروسيا في شرقي أوكرانيا، حيث يتحدث الكثير من الأوكرانيين اللغة الروسية ويحسون بالقرب الثقافي من روسيا. ومع أن القليل يشكون في أن روسيا ستعيد القرم في أي سيناريو مستقبلي، فإن الأمر ليس واضحا حيال شرقي أوكرانيا؛ فربما ضمتها إليها، أو سمحت بانفصالها ككيان مستقبل، أو استخدمتها للمفاوضات والمقايضة مع الحكومة الأوكرانية في كييف.
ولذلك، ومع زيادة تورط روسيا في مغامرة أوكرانيا، فإنها قد تُبدي بعض المرونة في سورية، الأقل أهمية، في حال كان هناك ضغط أميركي ودولي ملموس، للوصول إلى حل سياسي وفقا لمبادئ جنيف الأولى، أي تكوين سلطة انتقالية حاكمة بصلاحيات إدارية وعسكرية حقيقية، للتهيئة لسورية المستقبل من دون الأسد أو نظامه. وكانت هذه النقطة هي ما نجح النظام في تفاديه في جنيف الثانية، بدعم روسي، بدعوى أن القضاء على الإرهاب يجب أن يسبق أي حديث عن السلطة الانتقالية.
ولذلك، ونظرا إلى أن حكومة الرئيس أوباما تعترف بأن الدبلوماسية لم تنجح في سورية، ونظرا إلى أن روسيا تبدو معتمدة على استخدام القوة العسكرية لتحيق أهدافها الاستراتيجية في أوكرانيا، فإن الوقت أصبح سانحا لـ"إعادة تقييم" أخرى للسياسة الأميركية في سورية. فتسليح المعارضة المعتدلة، مثلا، سيُحسّن من فرص نجاح الحل السياسي؛ لأن الدبلوماسية وحدها لن تقنع الأسد أبدا في التفاوض بجدية مع المعارضة. وفي الوقت نفسه، فإن تسليح المعارضة المعتدلة سيُحدث توازنا في صفوف المقاومة بإضعاف القوى المتطرفة التي استفادت من تردد أنصار المعارضة المعتدلة في تسليحها حتى الآن.
ولعل هذا ما سيقوله الرئيس أوباما حين يزور المملكة والمنطقة قبل نهاية هذا الشهر.