أستعير عنوان هذا المقال، من عنوان كتاب ("لكيلا تحرثوا في البحر"، 1955) للشيخ الأزهري الراحل، خالد محمد خالد، الذي صدَّره بقوله: "اعرفوا الحق، ثم اتبعوه، وسيجعلكم الحق أحراراً."ربما تكون المملكة العربية السعودية من أكثر البلدان العربية استهدافاً سلبياً من قبل فئات متشددة ومتعصبة في الشرق والغرب. وما نقرؤه عن هذا البلد، من هجوم سلبي وغوغائي في كثير من الأحيان، يفوق كثيراً ما نقرؤه عن أي بلد في الشرق أو في الغرب. وهذا كله نتيجة للدور الكبير والفعَّال، الذي يلعبه هذا البلد في الشرق والغرب. وخاصة في السنوات الخمس الأخيرة، التي شهدت تحولات، وإصلاحات غير مسبوقة، في معظم المجالات.
ماذا تحتاج الكتب الإرهابية؟
فعندما يتعرض هذا البلد لنقد سياسي سلبي، من قبل صحفي أو صحفيين أو أكثر، فلا حاجة ماسة لحملة فكرية من ذوي الاختصاص للرد، لأن هدف هذا النقد الخارجي في معظم الأحيان، يكون لصالح الناقد، في الحصول على الشهرة والنجومية، بعد أن يكون حجراً مُلقى، في زاوية منسية.
ولكن عندما يتعرض هذا البلد لهجوم ديني متشدد من سلفي جانح، جنوحاً منكراً كالمدعو أبو محمد المقدسي (عصام طه البرقاوي) في كتابيه الإرهابيين (الكواشف الخفية) و (ملّة إبراهيم)، فالأمر هنا مختلف. فالمقدسي يظهر هنا، ليس ككاتب إرهابي فقط، ولكنه كخلية إرهابية كاملة المعالم والأوصاف. فيما لو علمنا أن المقدسي لم يكن وحده كاتب هذين الكتابين اللذين هما بمثابة حزامين ناسفين إرهابيين. وإنما اشتركت معه مجموعة من الدينيين الإرهابيين المتشددين. والدليل على ذلك:
1- أن المستوى العلمي والمعرفي للمقدسي، لا يؤهله لصناعة مثل هاتين القنبلتين (الكتابين). فهو شاب ذو علم قليل، اكتسبه من دراسته في جامعة الموصل، لكي يحصل على شهادة "بكالوريوس"، يحصل بها على وظيفة متواضعة. زيادة على ذلك، فإن ما قرأته له من تصريحات عشوائية، وما شاهدته له من مقابلات استعراضية، على شاشات بعض الفضائيات، التي تُستعمل كأبواق عريضة و واسعة لنشر الفوضى والإرهاب في العالم العربي، يبيّن لي أن من كَتَبَ هذين الكتابين ليس المقدسي وحده، ولكنهم "عصابة" دينية متشددة، أرادت النيل من الوطن والمواطنين والمسؤولين السعوديين.
2- من يقرأ هذين الكتابين (وهما مضيعة للوقت، لكثرة ما فيهما من هراء، وحقد) قراءة الناقد المتفحص، يكتشف أن أسلوب هذين الكتابين، من فصل لآخر، مختلفٌ عما سبقه وما لحقه من فصول. وهو دليل آخر على أن من كَتَبَ هذين الكتابين ليس المقدسي وحده، ولكنهم عصابة دينية متشددة. وهذا ما يؤكده الأكاديمي السعودي عبد العزيز بن أحمد الحميدي بقوله: "رأيي الخاص في هذا الكتاب (ملّة إبراهيم) أنه لا يقف خلفه شخص واحد، بقدر ما هو ربما تيار معين، أو ربما هو أشد من ذلك." ("الشرق الأوسط"، 28/8/2010).
3- يحتوي هذان الكتابان على نقد سلبي وغوغائي رخيص – ويؤسفني أن أذكر مثل هذه العبارات - بجمل لا تمتُّ إلى البحث العلمي، أو السياسي الواقعي بصلة. وهي تذكرنا بمضمون الأشرطة والكتيبات، التي كانت تُوزع عام 1990/1991، عشية حرب الخليج الثانية، وتنتشر انتشار الفِطْرِ البري. ومن يقرأ بعناية كتابي: (الكواشف الخفية)، و(ملّة إبراهيم) سيستذكر أفكار وأسلوب تلك الأشرطة وتلك الكتيبات، التي ردّ عليها الراحل غازي القصيبي في كتابه (حتى لا تكون فتنة، 1990) رداً علمياً وتاريخياً مفحماً. وكان بذلك الليبرالي الوحيد الذي تصدى لتلك الهجمة الدينية المتشددة الشرسة. ومن يقرأ ويقارن بين هذا وذاك فسيجد أن الكُتَّاب هنا وهناك، هُم أنفسهم، بفكرهم، وأسلوبهم، ولحمهم، ودمهم، وأن ما قيل في هذين الكتابين امتدادٌ، وتذكيرٌ، وتأكيدٌ، وتكرارٌ، لما قيل في تلك الأشرطة والكتيبات.
4- يُركِّز هذان الكتابان على المملكة العربية السعودية؛ وطناً، ومواطنين ومسؤولين، ويبحثان عن السلبيات – مع العلم أن في كل بلد سلبيات، فالأوطان ليست مجتمعات ملائكية، كما قال الفيلسوف برتراند رسل - في هذا الوطن. وهذا النقد السلبي المجاني، يستثني كافة البلدان العربية ما عدا السعودية، كما يستثني كافة دول الخليج ما عدا السعودية، علماً بأن المقدسي، قد عمل وأقام في بعض دول الخليج، وخبرها، وعرف عنها الكثير. ولم يزر السعودية غير زيارات قليلة وقصيرة، ولمنطقة القصيم خاصة، ومدينة بريدة حصرياً، حيث التقى بالمتشددين هناك في 1991 ، إلا أن المقدسي أهمل العالم العربي كله، وركَّز - هو وشركاؤه ممن كتبوا هذين الكتابين – على السعودية بالذات، مما يعني لنا – وبكل بساطة – استهدافاً متعمداً للسعودية بالذات، من قبل فئة، ما زال الحقد الأعمى في صدورها، منذ عام 1990/1991. من المعروف لدى بعض الفقهاء المُنصفين، أن ما حصل من قبل فئة دينية متشددة عام 1990/1991، كان بمثابة موقف سياسي سطحي وساذج، أكثر منه حُجة دينية. فلم يكن ما ورد في أشرطة وكتيبات تلك الفترة المعروفة حُججا أو فقها دينيا قويما، فالدين الحنيف النقي، كان بعيداً كل البعد عما قيل، وكُتب، ونُشر. ولكن ما تمَّ، كان تلبيساً وطلاء للمواقف السياسية بلباس وطلاء ديني، وليّاً لأعناق النصوص الدينية لامتطائها قسراً، وما نقرؤه في هذين الكتابين الحاقدين السياسيين هو ما وردَ في تلك الأشرطة والكتيبات، من مواقف سياسية متشنجة غير واقعية، قال فيها الراحل غازي القصيبي القول الفصل في كتابه (حتى لا تكون فتنة، 1990)، وهو شبيه بكتاب توم بين Paine(الحصافة 1776- Common Sense )، لكيلا نحرث عبثاً في البحر!
ماذا علينا أن نفعل الآن، لكيلا نحرث عبثاً في البحر؟
لقد لاحظت خلال الأيام الماضية أننا اكتفينا بما كتبه وردَّ به عبد العزيز بن أحمد الحميدي ("الشرق الأوسط"، 28/8/2010).
فهل هذا يكفي؟
لا. فهذا غير كافٍ.
وكما بيّنت الآن، فالقصة يا سادة، ليست ما كتبه المقدسي، فهذا غبار، تزيله رياح الإصلاح. ولكن ما حصل، أن هناك تياراً يتفاعل من حين لآخر، ويجب أن يكون مقابله تيار آخر، يردّ عليه بالحجة والبرهان.
إن الكتَّاب والشعراء والإعلاميين التنويريين السعوديين كافة، مطالبون اليوم بالوقوف في صف واحد، للردِّ على هذا التيار المتمثل بالمقدسي.
ودون ذلك، نكون كمن يحرث عبثاً في البحر....(وللموضوع صلة).