على مدى 67 عاما من تاريخها الحافل بالمنجزات لم تواجه منظمة التجارة العالمية، منذ إبرامها لاتفاقية "الجات" في أبريل 1947، فشلا مثل فشلها الذريع في تنفيذ اتفاقية "جولة الدوحة للتنمية"، التي انعقدت في العاصمة القطرية "الدوحة" في نوفمبر 2001. وجاء هذا الفشل بعد إخفاق جولة "الدوحة" في إقناع دول المنظمة بالتوصل إلى اتفاق مُرض لجميع الأطراف بشأن إلغاء الدعم الزراعي المحلي، وتخفيض الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية، ونبذ العوائق غير الجمركية، وتفعيل دور الخدمات في التجارة.
في جولة "الدوحة" طالت أوجه الخلافات المزمنة كافة دول المنظمة وعلى جميع مستوياتها التنموية، ليصبح اسم جولة "الدوحة" وصمة عار على جبين المنظمة، خاصة بعد استمرار فشل الجولة في رأب صدع الخلافات في مؤتمراتها المتتالية المنعقدة بمدينة "كانكون" في المكسيك عام 2003، و"هونغ كونغ" في الصين عام 2005، و"باريس" في فرنسا عام 2006، و"بوتسدام" في ألمانيا عام 2007، و"جنيف" في سويسرا عام 2008. وبعد أن فاض بها الكيل وفقدت اهتماماتها، بدأت الدول الأعضاء بالمنظمة تنادي في الآونة الأخيرة بإلغاء جولة "الدوحة"؛ حفاظا على وحدة صف المنظمة وحماية لمصالحها التنموية، وخروجا من مأزق تسميتها بجولة "الدوحة".
وكما فاض الكيل بدول منظمة التجارة العالمية لفشل جولة "الدوحة" وعدم التزامها بتنفيذ الاتفاق الضامن لحقوق الدول الأعضاء فيها، ورأت ضرورة إلغائها أو تعديل مسماها، تواجه اليوم دول مجلس التعاون الخليجي عدم تطبيق "الدوحة" مواد الاتفاقية الأمنية الخليجية الموقع عليها في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 13 نوفمبر 2012، والمعتمدة خلال أعمال الدورة 33 لقمة مجلس التعاون الخليجي، التي عقدت بمملكة البحرين خلال الفترة من 24–25 ديسمبر 2012. وكما نفذ صبر 162 دولة عضو في منظمة التجارة العالمية من جولة "الدوحة" الفاشلة، ينفذ اليوم صبر الرياض وأبوظبي والمنامة من سلوك أجندة "الدوحة" لتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية للدول الخليجية، واستخدام الأراضي القطرية ملجأً لكل من يهاجم دول الخليج، وتقديم الدعم المالي والمعنوي والاستراتيجي للجماعات الإرهابية المحظورة خليجيا وعربيا ودوليا مثل فلول الحوثيين في اليمن والتنظيم العالمي للإخوان في مصر وجبهة النصرة في مختلف بقاع العالم.
في الوقت الذي شنت فيه السعودية والإمارات حملة واسعة على خلايا جماعة الإخوان المحظورة على أراضيها، انطلقت قطر لتزيد من دعمها لتلك الجماعة وقياداتها قلبا وقالبا. وفي الوقت الذي حذرت فيه دول الخليج من مساوئ التدخل الإيراني في شؤون الدول الخليجية، قامت قطر بتطوير علاقاتها الاستراتيجية وتنميتها مع إيران وحزب الله اللبناني. لذا قررت السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من قطر لعدم التزامها بما نصت عليه المادة الثانية من الاتفاقية الأمنية الخليجية القاضية بضرورة أن: "تتعاون الدول الأطراف فيما بينها، لملاحقة الخارجين على القانون أو النظام أو المطلوبين من الدول الأطراف، أياً كانت جنسياتهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم". وأكدت الدول الثلاث في بيانها على ضرورة تنفيذ نص المادة الثالثة من الاتفاقية القاضية بأن: "تعمل كل دولة طرف على اتخاذ الإجراءات القانونية فيما يعد جريمة، وفقا للتشريعات النافذة لديها، عند تدخل مواطنيها أو المقيمين بها في الشؤون الداخلية لأي من الدول الأطراف الأخرى".
خلال الأسبوع الماضي جاء قرار سحب السفراء في بيان مشترك للدول الثلاث بعد فشل كافة الجهود في إقناع قطر بضرورة الالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي وعدم دعم الإعلام المعادي. وأضاف البيان: "والتزاما منها بالمبادئ التي قام عليها النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي نص على إدراك الدول الأعضاء بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، وما يهدف إليه المجلس من تحقيق التنسيق والتعاون والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات".
قد لا تعلم الدوحة أن اقتران اسمها بالاتفاقية الأمنية الخليجية هو بمثابة تعهد بدعم جهود التنسيق الأمني بين دول المجلس، خاصة لما تشهده دول الخليج من تصاعد القلاقل في الدول المجاورة، وتفاقم جرائم تجارة المخدرات وغسيل الأموال وشبكات التجسس وفئات التخريب والجرائم الإلكترونية التي تُكبد دول الخليج خسائر تفوق 3 مليارات دولار أميركي سنويا. لذا لا عزاء لدولة قطر إذا كان النصيب الأكبر من خسائر سحب السفراء سيكون من نصيبها، لتتراجع قيمة تبادلها التجاري مع السعودية والإمارات والبحرين بمقدار 8% من إجمالي تجارتها مع العالم الخارجي، وانخفاض قيمة سوقها المالي في يوم واحد لأدنى مستوياته في 6 أشهر بنسبة 3%. ولا عزاء للدوحة إذا أقفلت الدول الخليجية في وجه وسائل النقل القطرية كافة مجالاتها لتتكبد خسائر مادية تفوق 12% من دخلها السنوي بسبب تمادي الدوحة في تكريس جهودها وإعلامها ضد شقيقاتها الخليجية، وإصرارها على دعم الفتن والجماعات الإرهابية في العالم المضطرب.
لا عزاء للدوحة من فقدان مظلة شقيقاتها الخليجية وتراجع مصداقية جولتها التفاوضية الفاشلة في ظل منظمة التجارة العالمية.