قطعت الرياض الطريق أمس أمام "تاءات ثلاث" تمثلت في التحليلات، والتعليقات، والتسريبات، بخصوص توتر العلاقة مع واشنطن على خلفية الملف السوري، والاعتذار عن عضوية مجلس الأمن، إضافة للملف النووي الإيراني.
وخلال لقاء جمعه بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ونظيره السعودي الأمير سعود الفيصل، أمس، حمل وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى الرياض رسائل تطمينية، أكد خلالها النأي بمفاوضات "5+1" عن أي تنازلات ستقدم لطهران. بدوره، بدد الفيصل في مؤتمر صحفي عقده مع الضيف، ما أثير عن توتر العلاقات، إذ بدا التناسق واضحا في أهدافه المتعلقة بإيجاد حل للأزمة السورية، فضلا عن إشارات الطرفين إلى أن مشاركة المعارضة السورية في اجتماع "جنيف2" باتت وشيكة.
بحث خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري تطورات القضية الفلسطينية والوضع في سورية، إضافة إلى مجمل الأحداث الإقليمية والدولية وموقف البلدين الصديقين منها، وكذلك آفاق التعاون بين البلدين.. جاء ذلك لدى استقبال خادم الحرمين لوزير الخارجية الأميركي في قصره بالرياض أمس والوفد المرافق له. وفي بداية الاستقبال نقل الوزير الأميركي لخادم الحرمين الشريفين تحيات وتقدير رئيس الولايات المتحدة الأميركية باراك أوباما، كما حمَّله الملك تحياته وتقديره للرئيس الأميركي.
حضر الاستقبال ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، ووزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله، ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف.
وكان وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية وصل إلى الرياض مساء أول من أمس، وكان في استقباله بمطار قاعدة الرياض الجوية وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل.
على صعيد آخر، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز بتعيين وترقية 41 قاضياً بديوان المظالم على مختلف الدرجات القضائية.. صرح بذلك رئيس ديوان المظالم رئيس مجلس القضاء الإداري الشيخ عبدالعزيز النصار، مبينـاً أن الأمر الملكي تضمن ترقية 12 قاضياً من درجة قاضي استئناف إلى درجة رئيس محكمة استئناف، وترقية 10 قضاة من درجة قاضي أ إلى درجة وكيل محكمة ب، وترقية 18 قاضياً من درجة قاضي ج إلى درجة قاضي ب، وتعيين واحدٍ على درجة ملازم قضائي.
وأكد أن هذا الأمر يأتي حرصاً من خادم الحرمين الشريفين ودعمه المتواصل لمرفق القضاء في المملكة وزيادة أعداد القضاة، حرصاً منه على تذليل جميع العقبات التي تواجه مرافق العدالة عامة؛ وسعياً منه لخدمة هذه المرافق العدلية التي خصص لها مشروعاً كاملاً وهو مشروع الملك عبد الله لتطوير مرفق القضاء.
وأبان رئيس ديوان المظالم أن تعيين وترقية 41 قاضياً ثمرة من ثمار هذا المشروع العظيم، حيث أسهمت التعيينات الماضية وستسهم هذه التعيينات الجديدة التي تتوالى في سرعة البت في كافة القضايا لتحقيق قضاء عادل وناجز، وإيصال الحقوق لأصحابها على وجه السرعة.
"تاءات" التوتر السعودي الأميركي تسقط أمام علاقات لا تعرف "المجاملة"
واشنطن تطمئن الرياض: لا تنازلات لإيران على حساب الأزمة السورية
الرياض: تركي الصهيل
قطعت الرياض الطريق أمس أمام كل التحليلات والتعليقات والتسريبات التي تحدثت عن توتر العلاقة بواشنطن على خلفية الملف السوري، والاعتذار عن عدم قبولها عضوية مجلس الأمن والملف النووي الإيراني. وفيما حمل وزير الخارجية الأميركي جون كيري رسائل تطمينية خلال لقائه المطول بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ونظيره الأمير سعود الفيصل، أكد خلالها النأي بمفاوضات (5+1) عن أي تنازلات ممكن أن تقدم للإيرانيين تضمن استمرار وجودهم على الأراضي السورية، مع عدم السماح لهم بحيازة السلاح النووي. وبدد الفيصل في مؤتمر صحفي عقده مع الضيف الزائر، كل ما أثير حول تدهور العلاقات بين البلدين ومرورها بمرحلة حرجة ودراماتيكية.
وبدا التناسق السعودي الأميركي في المواقف واضحا من خلال الأهداف المتصلة بضرورة إيجاد حل للأزمة السورية، وأرسل كل منهما إشارات واضحة بأن مشاركة المعارضة السورية في اجتماع "جنيف2" باتت قاب قوسين أو أدنى.
وبينما أكد الفيصل أن اعتذار بلاده عن عضوية مجلس الأمن لا يعني الانسحاب من الأمم المتحدة، قاسمت واشنطن الرياض حالة الإحباط التي تعيشها الأخيرة من عدم اضطلاع المجلس بمسؤولياته. وقال كيري بلغة واضحة "نحن والسعودية نتشارك في حالة الإحباط من مجلس الأمن وما به من نزعات إيديلوجية وسياسية، وحالة من الاستقطاب تقف ضد الإرادة الدولية في صنع السلام".
لقاء الملك
كيري، وقبل مؤتمره الصحفي الذي اختتم به زيارته القصيرة للمملكة، التقى أمس خادم الحرمين الشريفين. وقال الفيصل إن هذا اللقاء بحث في العلاقات الثنائية بين البلدين، ومجمل الأوضاع بالمنطقة ومستجداتها.
وأكد كيري خلال لقائه بالمسؤولين السعوديين متانة العلاقة التي تربط بلاده بالمملكة، والقائمة على استراتيجية بعيدة الأمد، تتركز على حماية الحلفاء ضد أية تهديدات محتملة، وضمان تدفق النفط، ومكافحة الإرهاب، وعدم السماح لأي من دول المنطقة بتطوير أسلحة الدمار الشامل. وقال أمام الصحفيين "علاقتنا بالسعودية ممتدة منذ 70 عاما، وهي مستمرة إلى ما لا نهاية".
التاءات الثلاث
وفي خضم الحديث عن توتر العلاقات السعودية الأميركية، وخصوصا بشأن الأزمة السورية، سعى الأمير سعود الفيصل لقطع كل ما يدور حول هذه المسألة في بداية مؤتمره الصحفي المشترك. وقال "أشير إلى التحليلات والتعليقات والتسريبات التي أسهبت مؤخرا في الحديث عن العلاقات السعودية الأميركية، وذهبت إلى حد وصفها بالتدهور، ومرورها بالمرحلة الحرجة والدراماتيكية، إلا أنه غاب عن هذه التحليلات أن العلاقة التاريخية بين البلدين كانت دائما تقوم على الاستقلالية، والاحترام المتبادل، وخدمة المصالح المشتركة، والتعاون البناء في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية خدمة للأمن والسلم الدوليين".
ورأى الفيصل أن العلاقة الحقيقية بين الأصدقاء لا تقوم على المجاملة، بل ترتكز على الصراحة والمكاشفة بين الطرفين، وطرح وجهات النظر بكل شفافية، ومن هذا المنظور فمن غير المستغرب أن تشهد الرؤى والسياسات نقاط التقاء، ونقاط اختلاف، وهو أمر طبيعي في أي علاقة جادة تبحث في كافة القضايا، وتطرح مختلف وجهات النظر، وتسعى لمعالجتها من خلال الحوار المتواصل بين البلدين وعلى كافة المستويات، للوصول إلى منظور مشترك ينعكس إيجابا على حلحلة القضايا وانفراجها".
قصور مجلس الأمن
وفيما ذهب الفيصل للتمسك بعضوية بلاده بالأمم المتحدة، رأى أن قصور مجلس الأمن يكمن بشكل واضح في القضية الفلسطينية التي تراوح مكانها لأكثر من ستين عاما، مشيرا إلى أن اختزال الأزمة السورية في نزع السلاح الكيماوي الذي يعتبر أحد تداعياتها، لم يؤد لوضع حد لواحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العصر الحالي، فضلا عما أسماه "التقاعس الدولي في التعامل الحازم وتطبيق سياسة جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والسلاح النووي"، وهو ما قال إنه أبقى المنطقة تحت مخاطر هذه القنبلة الموقوتة التي لن تنزع فتيلها مساومات التعامل مع إفرازاتها، أو مناورات الالتفاف عليها".
وأشار وزير الخارجية السعودي إلى أن القضية الفلسطينية والأزمة السورية وملف أسلحة الدمار الشامل، كانت ولا زالت، والاضطرابات التي تشهدها المنطقة وعدد من دولها، "محور اهتمام وجهود المملكة، ومحور البحث مع الولايات المتحدة وكافة الأطراف الدولية الفاعلة، وفي إطار مبادئ الشرعية الدولية والمواثيق والاتفاقات وأحكام القانون الدولي العام التي من شأنها وضع حد لهذه الأزمات، بعيدا عن المناورات السياسية والمساومات، التي دفعت إلى هجرة العديد من هذه القضايا من أروقة الأمم المتحدة لتبحث عن الحل خارجها".
للمفاوضات حد
وعلى الرغم من تأكيد الفيصل أهمية المفاوضات في حل الأزمات، إلا أنه شدد على أن بلاده "ترى أن المفاوضات لا ينبغي أن تسير إلى ما لا نهاية، خصوصا أننا بتنا نقف أمام أزمات جسيمة لم تعد تقبل أنصاف الحلول، بقدر حاجتها الماسة إلى تدخل حازم وحاسم يضع حدا للمآسي الإنسانية التي أفرزتها هذه الأزمات، وليس أدل على ذلك من عدم قدرة النظام الدولي على إيقاف الحرب ضد الشعب السوري. رغم أن الخيارات المعنوية بين الحرب والسلم واضحة وضوح الشمس، وبما لا يدع مجالا للاجتهاد بين وقفة حزم لحقن الدماء في كارثة إنسانية أو التغاضي عنها".
جنيف 2
وبدت كل من الرياض وواشنطن أكثر توافقا على أهمية عقد اجتماع "جنيف 2" بما يخرج نظام الأسد من المعادلة السياسية السورية. وفيما جدد كيري أن الأسد فقد شرعيته، قال الفيصل إن قرار المعارضة المشاركة في هذا الاجتماع هو للتحالف الوطني السوري، وكل الآراء حول الممانعة من حضوره، فردية. وأضاف "حضور المعارضة سيعطي تأكيدا على أنهم الممثلون الحقيقيون للسوريين وأنهم أعطوا فرصة للسلام".
أما وزير الخارجية الأميركي، فإنه لا يرى سبيلا لحل الأزمة إلا بالخيار التفاوضي وإلا فإن المصير هناك سيكون لصالح "الحرب الأهلية"، مجددا التزام بلاده بأن لا دور للأسد في مستقبل سورية.
مفاوضات (5+1)
الوزير كيري، سعى خلال وجوده بالرياض، إلى طمأنة السعوديين بأن مفاوضات مجموعة (5+1) في ملف إيران النووي لن تكون على حساب أي من قضايا المنطقة، بما في ذلك الوجود الإيراني على الأراضي السورية.
وقال كيري "طمأنت السعوديين بأنه لا وجود لاتفاقيات سيئة مع الجانب الإيراني ولن تكون هناك مفاجآت، واشنطن على وعي وإدراك ببعض نشاطات إيران، ولم تنس تفجيرات الخبر، ومحاولة اغتيال عادل الجبير".
أما الفيصل، فقال "مفاوضات 5+1 مبنية على حسن النوايا، وحسن النية تعني أن تقدم أشياء إيجابية وهو ما لا تفعله إيران، فهي تحتل سورية الآن وتشارك في قتل السوريين". وأضاف "أمام إيران اختبار حسن نوايا وأهم خطوة أن تخرج من سورية وأن تخرج معها حليفتها حزب الله".
المالكي وحزب الله
ولم يغب الشأنان العراقي واللبناني عن مباحثات وزيري خارجية المملكة وأميركا بالرياض أمس، وأكد كيري أن على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التواصل مع جميع مكونات الشعب العراقي لإنهاء العنف الطائفي الذي تشهده البلاد، فيما شدد على أهمية أن يتم تشكيل الحكومة اللبنانية المقبلة بعيدا عن تهديدات حزب الله.
"كرم" الملك و"حكمة" الفيصل يبهران "كيري"
لم يستطع وزير الخارجية الأميركي جون كيري إخفاء إعجابه الشديد بكرم وحفاوة استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز له أمس، وإعطائه مزيدا من الوقت للحوار حول شؤون المنطقة، كما لم يغفل إعجابه كذلك بحكمة نظيره الأمير سعود الفيصل والمعروف بأنه "عميد الدبلوماسيين في العالم".
وبدا كيري ممتنا للترحيب الحار، الذي لقيه من المسؤولين السعوديين، وللوقت الطويل الذي قضاه بضيافة خادم الحرمين. ونقل عن الملك قوله "يمكن للرئيس أوباما أن يعتمد على فكرة أن لديه صديقا حميما بالمنطقة وهو الملك عبدالله".
وامتدح كيري، مطولا، الصراحة التي طغت على آراء الفيصل خلال مناقشة قضايا المنطقة، واصفا إياه بـ"الصديق الحميم". وقال "لقد أعجبتني حكمته ومشورته".
الفيصل، وكعادته، مؤتمراته الصحفية لا تخلو من روح الدعابة التي يتميز بها، حيث بدا ذلك في 3 مواقف أمس، أولها حينما ولج ونظيره الأميركي إلى قاعة الاجتماعات وقال "ما شاء الله القاعة مليانة اليوم"، والثاني حينما تمنى على صحفية أميركية أن تكون وجهت له سؤالا كانت قد أحالته لكيري، أما الثالث والذي ختم به المؤتمر كان حينما قال "سيغادرنا كيري إلى بولندا، أما أنا فسأذهب إلى منزلي لأتعشى وأنام"، في إشارة واضحة للرضا على النتائج التي خرجت بها زيارة كيري إلى المملكة.