وسط أجواء رائحة الحبر وثقافة التنوع دشنت وزارة الثقافة والإعلام قبل أيام قليلة، فعاليات معرض الكتاب الدولي بالرياض لهذا العام 1435 – 2014، ويعود تاريخ هذا المعرض إلى سنوات سابقة كانت الجامعات السعودية هي الجهة المنظمة والمشرفة على فعالياته، ثم استلمت وزارة التعليم العالي زمام الأمر لفترة قصيرة، ليسند الدور بعد ذلك إلى وزارة الثقافة والإعلام لتكمل المسيرة بذات النجاحات السابقة، ويحسب لهذه الوزارة توسيعها لدائرة أنشطة وفعاليات المعرض، وتقديمه في صورة عالمية شمولية مميزة، تراعي كل التوجهات الثقافية والفكرية، بما لا يجرح المعتقدات أو يسيء إلى المجتمع، لتتألق الرياض وسط هذا الحراك الثقافي الماتع، وها هو المعرض يعبر يومه الرابع بثقة وهدوء ليس فيه سوى صخب الكتاب والثقافة والإبداع، دون أية منغصات أو مضايقات تذكر من جانب بعض المجاميع "الرديكالية" المعارضة، والتي تطلق على نفسها عرضاً مسمى (الحسبة)، وهي المجاميع المعروفة بتدخلاتها واعتراضاتها الغريبة، ومحاولات تلفيق بعض التهم والادعاءات المغرضة لتشويه سمعة مثل هذه الاحتفالية الجميلة، والتي تصل إلى حد الصدام الفعلي مع القائمين على تنظيم فعاليات المعرض، لتصل ذروتها بالتسبب في إيقاف بعض الأنشطة المصاحبة له أحياناً، ليظهر السلوك الدعوي أو (الاحتسابي) في أسوأ صوره على الإطلاق، من خلال الأساليب الاستفزازية اللا مسؤولة والمواقف الإقصائية، ومحاولات فرض وصاية ممجوجة على مجتمع بأكمله، وهذا في الواقع لا يخدم سياسة وتوجه الدولة وأهدافها النبيلة، الساعية إلى تقديم صورة تعكس روح ووعي الإنسان السعودي، بإقامتها وتبنيها لمثل هذا الحراك التنويري كل عام.
لكن مثل هذه المحاولات المتكررة تعري نفسها دون أن تشعر، وتكشف عن نواياها المختبئة تحت عباءة الدين، وهو المخبأ الذي لم يعد ممكناً اللجوء إليه في ظل تشويهه بهذا الشكل، واستخدامه لتحقيق مكاسب سياسية لها ما لها من المآرب، لقد سقطت في الغالب كل الحركات التي ركبت الدين بدل أن تحمله، وفشلت مشاريعها الاستحواذية على امتداد التاريخ الإنساني، لأن تكوينها في الأصل لم يكن منطلقاً من البعد الديني الصرف، بل إنها ولدت كردة فعل لعدة عوامل مختلفة، أثرت نفسياً وفكرياً في معتنقيها كمذهب وطريقة، تمثلت في صدمة سقوط الخلافة الإسلامية، وهزيمة العرب فيما عُرف "بالنكسة" أمام إسرائيل في عام 1967، وأخيراً وهم التغريب إثر انفتاح العالم الإسلامي على الثقافات الغربية، وعلى هذه الافتراضات نشأت معظم الحركات الإسلامية، وشكلت فكرها وثقافاتها المتخوفة والمتوجسة من الآخر شكلاً ومضموناً، وليظهر تالياً ما أطلق عليه الفكر (الدينوسياسي)، وهو الفكر الذي تبنته معظم الحركات الإسلامية على اختلاف مذاهبها، معتقدة به اعتقاداً قوياً كطريق صحيح يحقق أهدافها، والغريب فعلاً أن تتجاهل تلك الحركات (الدينوسياسية) كل هذه المتغيرات العالمية على المستويات الثقافية والفكرية والاقتصادية والسياسية، وتتمسك بعقلية أحادية تزعم بأهليتها لقيادة العالم وتحريره!!
وما نسمعه من تصاعد لنبرة أصوات خطابات بعض المحسوبين على الدين، وتسارع وتيرة العمل السري داخل هذه الحركات، يجعلنا أمام مشهد واضح لمخططاتها ومشاريعها المستقبلية، والتي تحاول من خلالها اختطاف المجتمعات وتوجيهها سياسياً لا دينياً.
من هنا لا أستطيع وصف تلك الحركات والتنظيمات بـ"الإسلامية"، لأننا جميعاً مسلمون نعتقد بكل ما جاء في رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ووصفها بـ"الإسلامية" يجعلنا خارج نطاق الإسلام، لذا أعتقد أن الوصف الملائم لها هو الحركات (الدينوسياسية)، وهذا سيجعل من كل الحركات التي تنهج نفس النهج باختلاف دياناتها على مستوى العالم متساوية.
كل الأمنيات أن يستمر هذا المعرض الكبير الذي تستضيفه الرياض بهذا الزخم وهذه الروح، لأن نجاحه هو نجاح ثقافة أمة أساسها السلم والتسامح وليس غير.