جاء قرار المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين يوم أمس، بسحب السفراء من دولة قطر الشقيقة قرارا قويا وموجعا. وهو أشبه بردة فعل جماعية ضد سياسات دولة قطر التي باتت منذ نحو عقدين تختلف اختلافاً جذرياً عن سياساتها السابقة.

كمواطن عربي خليجي، أعترف بأني لم أتمنَّ وصول الأمور إلى مثل هذا القرار الذي يُعدّ في العرف العربي أن العلاقات السياسية وصلت إلى طريق مسدود، لكن يبدو أن "السيل قد بلغ الزبى"، حيث أصبحت دولة قطر الشقيقة تتبنى سياسات، ليست ضد دول بعينها من مجلس التعاون لدول الخليج العربية فحسب، بل ضد نفسها!

تحاول دولة قطر البحث عن موقع ما على الخارطة العالمية، وهذا حقها، لكن من وجهة نظري أن "الحسبة" لا بد أن تكون دقيقة في مثل هذا الأمر، أي لا بد أن تعي السياسات القطرية الحجم الحقيقي للدولة، إذ إن مكوناتها السياسية والجغرافية والثقافية، بل وتاريخها السياسي، لا يمكنها أن تقوم بدور إقليمي أو عالمي كالذي تطمح إليه قطر. لنكن واقعيين: فدور قطر المعاصر قد بدأ مع إنشاء قناة "الجزيرة"، التي هي في الأصل القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية، وهذا ما خلق حالة من التندر حينها، إذ ردد بعض المشاهدين العرب مقولة: إن قناة تصنع دولة!

الموضوع الرئيس اليوم، هو الأسباب التي دعت الدول الثلاث مجتمعة للقيام بهذا الأمر، ولو بحثنا في المسوغات والمبررات ـ بصرف النظر عن تفاصيلها ـ سنجد أنها تتمحور حول تبني دولة قطر سياسات تخالف التوجهات الخليجية، وتطور الأمر إلى أن أصبحت هذه السياسة تشكّل خطراً على وحدة الصف، في ظل متغيرات خطيرة يفترض أن تعيها الشقيقة قطر، لا بكونها غنيمة يمكن أن تحقق مصالح قصيرة المدى، إنما متغيرات مرتبطة بالمستقبل والمصير المشترك، ولا سيما أن أواصرنا أعمق وأكثر من أي شيء آخر.

كنت وما زلت أقول إني على المستوى الشخصي لست ضد قطر، فقد كتبت عن تجربتها في التنمية وجهودها السياسية في ردم الصدع العربي المتمثل في الأزمة اللبنانية، غير أني منذ ما يقارب العشرين عاماً أحتفظ بموقف لم يتغير مع الأسف الشديد، وهو أن دولة قطر الشقيقة تحاول القفز على قوانين الطبيعة، حين تلعب لعبة أكبر من قدراتها ومواهبها وتريد الفوز بها بالقوة! وقد تبدّى لي هذا الموقف أول مرة عام 1996 حين أعلنت دولة قطر حلّ وزارة الإعلام، وإنشاء قناة "الجزيرة" كبديل عصري لها على المستوى الفعلي، وعلى إعجابي بالقناة واحترافيتها الإعلامية حينها، إلا أنه مما زاد من قناعتي السابقة المشار إليها آنفاً، مشاركة المنتخبات القطرية في الألعاب الأولمبية، بوجود "أسماء غير قطرية" ـ ضمن بعثة قطر ـ من أوروبا الشرقية يمثلونها رغم أنهم لا يمتون بصلة لمجتمعها ولا إلى ثقافتها من قريب أو بعيد.

محبتي لدولة قطر وشعبها تدفعني لأن أكون صريحاً، فالتركيز على "تزويق" البيت من الخارج، وعدم الاهتمام به من الداخل أمر يشبه قطف الوردة اليانعة، التي تكون المتعة بها محدودة؛ لأن عمر الأزهار قصير جداً، ولذلك أقول إني حين أرى سفارات وقنصليات دولة قطر في عواصم الغرب والشرق، وقد تم اختيارها بعناية فائقة، كنت ـ كمواطن عربي وخليجي ـ أستمتع برؤية العلَم القطري يرفرف فوق مبنى جميل على جادة الشانزليزيه، لكني كنت أتساءل: وماذا بعد أن مررت بهذا المبنى الجميل متوجهاً إلى قوس النصر؟! لا شيء. قطر هي قطر ولم تتغير رقعتها الجغرافية.. لم تتمدد إلى المحيط مثلاً، لكني حين أقابل أشقائي القطريين في مكان ما من هذا العالم، كنت للأمانة أشعر أنهم منّي؛ ذلك أن روابط التاريخ أقوى من الجغرافيا.. فليحفظ الله قطر، أختنا الصغرى، ويعيدها إلى مستقرها بعد رحلتها التي نتمنى ألا تطول.