في مقال سابق عرضت مثالا لعربون الفراق، أو النوع السلبي من أنواع العرابين في المجال الاجتماعي، وهذا النوع يركز على الممارسات السلوكية السلبية، التي يمارسها بعض أفراد المجتمع، فمثلا يمارس الزوج سلوكيات ومضايقات لزوجته بهدف التوصل إلى مبررات تقنعه للتخلص منها، أو الزواج من ثانية.
وعربون الفراق، أو العربون السلبي يمارسه بعض الأشخاص لمضايقة أفراد آخرين ممن يعيش معهم، أو يعمل معهم، والمشكلة إذا كانت هذه السلوكيات صادرة من شخص كبير في السن، أو المكانة الاجتماعية، أو الإدارية، أو العلمية وفي هذا المثال سيتم التركيز على نوع آخر من العرابين السلبية، ويتضح ذلك من خلال ممارسة بعض المسؤولين في قطاعات العمل المختلفة بعض السلوكيات السلبية مع العاملين معهم في القطاع نفسه، فقد يكون هناك نوعان من الموظفين تتم ممارسة هذا الأسلوب معهم.
الضحية الأولى تتمثل في الشخص الذي لديه قدرات محدودة في مجالات العمل، وعليه ملحوظات في إنجاز مهام العمل المنوطة به نتيجة لقلة الخبرة، أو للقدرات المحدودة لدى هذا الشخص، أو لقلة الدورات في مجالات عمله، فقد يعمد المسؤول إلى مضايقة هذا الموظف، وممارسة الضغوط عليه بطريقة غير مباشرة وبشكل مستمر بدلا من الوقوف معه، ومساعدته، وتقديم العون، والتوجيه له؛ لأنه قد يتغير إلى الأفضل إذا وجد الاهتمام من المسؤول عنه، وقد تتعدل إنتاجيته في حال وجد التشجيع، والتحفيز، وقد تتم مضايقة هذا الموظف لفظيا، والمبالغة في محاسبته، ومتابعته بشكل غير مقبول، وقد ينعكس ذلك سلبا على سلوكياته في العمل، وهو في الأصل متعثر، وهذا النوع من الموظفين بحاجة إلى عناية خاصة من المسؤولين من خلال تهيئة البيئة المناسبة لهم من تدريب، وتحفيز، وتشجيع، وقد تثمر هذه الخطوات، وتكون نتائجها إيجابية، وفي حالة توظيف جميع الأساليب مع هذا النوع ولم تفد فيتم التعامل معه وفق الأنظمة المحددة لذلك.
أما النوع الثاني من الموظفين فيتمثل في شخص مبدع، ومنجز، ولديه مقترحات، وإبداعات، وخبرات، ومهارات، ويعرض وجهات نظره حيال العمل بنوع من الشفافية والوضوح بعيدا عن التملق، أو المجاملة البغيضة، وقد تكون مهاراته، وخبراته عالية جدا تمكنه من عرض خبراته في مجالات العمل، كل هذه العوامل تولد لدى المسؤول إحساسا بأن هذا الشخص قد يسبب له مشكلات في المستقبل، أو لديه بعض الآراء التطويرية التي لا يمكن تحقيقها، أو التي لا تتوافق مع توجهات هذا القطاع كما يراها المسؤول فيه، وفي هذه الحالة يتم التعامل مع هذا الموظف المبادر، والمبدع بنوع من السلبية، والتخوف، من خلال التعامل الرسمي، وعدم الثقة، ويبدأ تفسير ما يرد من هذا الشخص بأكثر من تحليل، ويعمد المسؤول إلى مبدأ التهميش، وعدم الرغبة في مناقشته، ومحاورته، ويمارس معه بعض التصرفات التي يعتقد بأنها تضايقه بهدف التخلص منه، ويبدأ يرسل له إشارات سلبية مثل المخاطبات التي تسود عليها اللغة القاسية، أو الأسلوب الجاف، أو عدم الاهتمام بما يقدمه له من تصورات، أو آراء، وغير ذلك من السلوكيات السلبية التي هي بمثابة عربون الفراق، وعدم التوافق في مجالات العمل، وأعتقد أن هذا المسؤول بحاجة إلى دورة في التعامل مع موظفيه بمختلف مستوياتهم، وقدراتهم، فالمقصر يدعمه، ويحفزه، والمبادر يستوعبه، ويستفيد منه بالشكل المناسب؛ لأن السلوكيات التي يتعمدها بعض المسؤولين كما ذكرت في ثنايا هذا المقال قد تؤثر على سير العمل، وقد يخسر الكثير من زملائه في مجال العمل؛ فمن يعمل بأسلوب العربون الإيجابي مع زملائه في العمل بعيدا عن السلوكيات السلبية، التي هي مؤشرات للعربون السلبي قد يجني الثمار، وتتحرك سفينة العمل في الاتجاه الصحيح بعيدا عن الشد والجذب في بيئة العمل، فالإداري الناجح يتعامل مع المواقف التي تواجهه حسب نوع الشخص، فيتم استيعاب الجميع ويتعامل مع كل شخص بالأسلوب الذي يناسبه، وبذلك يكسب الجميع، وتتكاتف الجهود، وتتحقق الأهداف.
وهذا المقال سيكون عربون إجازة مع الإخوة القراء، وسأتوقف لفترة من الزمن عن الكتابة حتى أعود مرة أخرى في المستقبل بمقالات تتصف بالجدة، ومناقشة بعض الموضوعات التي تهمنا جميعا.. وإلى اللقاء.