بعد هذه السنوات الطويلة من القصة التاريخية لكارثة سيول مدينة جدة فوجئت بالأمس بخبر قصير على هذه الصحيفة.. أن السلطات تدعو بعض المدانين في هذه الكارثة لتنفيذ العقوبة التي صدرت بأحكام قضائية نافذة. الذي أعرفه بشكل شخصي أن لجنة التحقيق العليا التي شكلت يومئذ للتحقيق مع... كائن من كان... قد أنهت أعمالها بمهنية راقية وفي ظرف تسعة أشهر. الذي أعرفه جيداً.. وجيداً جداً.. أن لجنة التحقيق العليا في أسباب هذه الكارثة لم تترك ثقباً ولا ثغرة ولا فرداً ولا منظومة، ولا شخصية، إلا وأجلسته أمام طاولة الأسئلة قبل أن ترفع تقريرها الحاسم الجازم إلى الجهات المختصة.

وهنا يبدو السؤال الصريح: لماذا فشلنا بعد كل هذه السنين الطويلة في تحديد المتسبب في كارثة غيمة واحدة دفنتها عشرات الغيوم اللاحقة إلى الحد الذي لازلنا فيه (نستدعي) المدانين في كارثة غيمة منقرضة؟ ما أعرفه جيداً أن الشهور الأولى لذلك الزلزال التاريخي قد شهد (جرجرة) شخصيات مجتمعية اعتبارية إلى التحقيق وإلى الاحتجاز والسجن. لكن الذي أعرفه جيداً، في المقابل، أن سنوات أخرى بعيد ذلك الزلزال لم تشهد محتجزاً ولا سجيناً واحداً في أشهر شبهة فساد إداري ومالي تبرعت بالكشف عنه غيمة صباح شاردة.

سأقول هنا بكل صراحة ووضوح: إن أمطار غيمة مدينة جدة التاريخية قد تحولت إلى مجرد ضباب كثيف يحجب الرؤية عن المدان الحقيقي، وسأقول هنا بكل صراحة إن القضاء ومعه الادعاء العام لم يرتقيا إلى مستوى تقرير اللجنة العليا التي وضعت النقاط فوق الحروف.. ومع كل قصة فساد واضحة هناك من يتعمد أن يضع ذات النقاط تحت الحرف. قصة غيمة جدة التاريخية وكارثة سيولها التاريخية ترسلان رسالة واضحة إلى كل القادمين في طابور الفساد: هناك ألف وسيلة ووسيلة للنجاة من بحر الفساد المتلاطم، وخذوها على مسؤوليتي: إذا فشلنا في قصة (سيول جدة) فلن ننجح بعدها في تفسير أي غيمة.