الانقراض إحدى الظواهر الطبيعية التي تصيب بعض الكائنات، ويحدث لحظة موت آخر فرد من أفراد سلالة معينة، ويعدّه علماء الطبيعة نتيجة لعدم قدرة آخر أفراد هذه السلالة على التكاثر والاحتفاظ بالنوع، ولكن هنالك نوعا من "البشر" ينقرض أيضا!

وهو ليس ما يسمى بـ"إنسان الغابة" أو الإنسان الأول، بل هم أولئك المنقرضون ثقافياً وعلمياً، الذين لا يملكون أي رصيد علمي وثقافي حقيقي، وبالتالي فإن انقراضهم حتمي نتيجة رصيدهم (الصفري) الذي يخفونه ليستطيعوا التواصل بشكل طبيعي مع الفئات التي يحاولون الانتماء إليها، بينما واقع الحال يوحي بأنهم يعيشون حالة نقص وفراغ داخل الفئة التي يفترض أنها تجمعهم لتشكل نوعاً في المجتمع.

ربما تحظى الكائنات التي انقرضت طبيعياً بالاحترام أكثر من بعض "الكائنات" البشرية المنقرضة فعلياً، وما زالت تخفي حقيقة انقراضها لتثبت - زيفا وبهتانا - أنها الجزء المضيء في العالم المعتم، أو أنها الحقيقة في زمن الزيف، وهذه الكائنات البشرية المنقرضة - علمياً وثقافياً - يحاول أفرادها بشدة مقاومة هذا الانقراض بالتزييف والخديعة المستشرية فيهم وبينهم، من خلال طريقتين إحداهما أردأ من الأخرى!.

حيث يلجأ (المنقرضون في الأرض) إلى الانتماء لعالم لا ينتمي لهم، إما بالحصول على نتاج أدبي يُكتب بأيدٍ أخرى بمقابل مادّي أو غيره، من أجل الانتماء لعالم الأدب والأدباء. أو بالانتماء إلى عالم (الدال الوهمية) بالحصول على درجة علمية وهمية بإحدى طريقتين: الأولى هي "النفرة" إلى إحدى الجامعات العربية "القريبة منا" والبحث عمّن يقدم خدمات إكمال "الرسالة" بمقابل مادي للفزعة والنخوة العربية، ويوجد طريقة ثانية - وهي الأسهل - هي الانتماء صراحة إلى الجامعات (العالمية) المتناثرة في بلاد الغرب والشرق، التي لا يكلف الحصول منها على تلك الدال الضخمة سوى بضعة دولارات! وفئة لا بأس بها من المنقرضين في الأرض لا يخجلون من الانتماء لجامعات لا وجود لها على أرض الواقع، ولا يخجلون كذلك من التأكيد على حملهم للدال من دولة لا يعرفون لغتها أصلا!.

وعلى الرغم من أن هؤلاء المزيفين - المنقرضين الذين يفترض أن تاريخ صلاحيتهم قد انتهى - يعدّون قلة، إلا أننا نجد محاولاتهم الحثيثة اليوم في التواجد ببعض المراكز الثقافية وجمعياتها العمومية ولجانها العاملة دون أي خجل، لا بل إن بعض أولئك (الدكاترة) أصحاب الدرجات اللا علمية، يحاولون - بدالاتهم تلك - الولوج إلى المجتمعات الجامعية، ويفترض أنّ الجامعات تكون محصّنة أمام مثل هذه النوعيات سواء أكانوا من الداخل أو الخارج.

فمثلما اخترق أصحاب التخصصات الوهمية والمزيفة عالم الصحة في بلادنا، حسبما تكشفه دورياً تقارير "هيئة التخصصات الصحية" من ضبط أعداد مخيفة من الشهادات والتخصصات الطبية المزورة، فإننا في مواقع أخرى أمام اختبار صعب، فمجالات الثقافة والإعلام والتعليم - بشقيه العام والعالي - لن تتوقف عنها محاولات الاختراق من قبل هؤلاء المنقرضين؛ بحثاً عن أسرع وسيلة للصعود الاجتماعي والوظيفي، وفيما يكون غالبية التهديد في المجال الصحي من الخارج، فإن التهديدات في المجالات الثقافية والإعلامية والتعليمية تكون من الداخل مع الأسف الشديد!.

وبما أن تقنيات الإعلام والاتصال الحديثة قد كشفت المخبوء لسنوات طويلة، إلا أن مكابرة أبطال الوعظ، والإعلام، والبرمجة اللغوية العصبية، وتطوير الذات، مستمرة في اتجاه تكريس الدالات الوهمية، وهذا ما يجعلنا اليوم في موضع شكّ ممن قد يتضح لنا عدم علاقته بنتاج علمي أو أدبي يحمل اسمه، وربما يضطر البعض منا لتوجيه السؤال إلى شخص الدال أو شخصية الأديب الأريب عن تفاصيل نتاجه ذاك، أو مصدر درجته الوهمية وموضوعها، وهذا يقتضي إنشاء هيئة وطنية لمكافحة هذا الفساد؛ تكون مهمتها شبيهة بهيئة التخصصات الصحية؛ لتكشف زيف هذا الفساد العلمي والثقافي الذي يرفض أن ينقرض!.