كتبت هنا أن ثقافة العمل في القطاع الحكومي أمرها غريب، كونها قائمة على اللا مبالاة والاستهتار، وعدم احترام الوقت، وعدم احترام الناس، وهي في ذات الوقت ثقافة تستند على تاريخ طويل له جذور عميقة تشجع على التراخي، وعدم الإخلاص في العمل لغياب الرقابة والعقوبة، وتساوي من يعمل مع من لا يعمل، بل أحيانا من لا يعمل قد تتوافر له استثناءات ومزايا لا يحلم بها من يعمل نظرا لوجود المحسوبية واعتبارات أخرى ليست لها علاقة مطلقا بالكفاءة أو الإنتاج.

هذه الثقافة التي ترسخت في ذهن الأكثرية من موظفي الحكومة، وترسخ مفهومها عن موظفي الدولة لدى كثير من المواطنين المراجعين للإدارات الحكومية، تعد واحدة من كبرى المشاكل التي عجزت كل الجهات الحكومية ذات الصلة عن حلها وتغييرها رغم قدمها وقدم الشكوى منها.

تلك السطور استوقفت الزميلة مذيعة قناة "العربية" أثناء حوارها معي حول ذات المقالة في "نشرة الرابعة" قبل أيام وقالت لي أين تكمن المشكلة في الموظف الحكومي أم في النظام؟

كانت الإجابة وبكل بساطة أن الموظف الحكومي ذاته عندما ينتقل إلى العمل في القطاع الخاص يتحول إلى شخص آخر، عنوانه الانتظام والمثابرة والالتزام والابتسامة، وهذا يؤكد أن التهمة الموجهة للموظف السعودي غير دقيقة، بل ينبغي حصرها في الموظف العامل في القطاع الحكومي تحديدا مع ملاحظة وجود استثناءات.

ليس هناك جديد عندما نستشهد بما حدث لموظفي الهاتف السعودي عندما انتقلوا إلى العمل في القطاع الخاص، وكيف تحول أولئك الأشخاص المتهمون بالتسيب واللا مبالاة وعدم احترام الوقت وعدم احترام أساسيات العمل إلى أشخاص آخرين، بدءا من ملابسهم وهندامهم العام مرورا بابتساماتهم وكلامهم الحلو وانتهاء بإنتاجهم وحالة الإخلاص الواضحة في عملهم.

الإجابة عن سؤال الزميلة معلوم منذ عقود، بينما غير المعلوم موانع عدم تطبيق الجهات المعنية لنفس المبدأ المعمول به في القطاع الخاص، لنتخلص من هذه المشكلة التي تؤرق المواطن كلما دخل إدارة حكومية لإنهاء إجراءات تتعلق بمصالحه.

بقي أن أقول إن التقنية الحديثة يفترض أنها تساعد في القضاء على بيروقراطية الموظف وإهماله وعدم التزامه واحترامه لساعات الدوام، ويفترض أنها تساعد بشكل كبير في القضاء على ساعات الانتظار الطويلة في الإدارات الحكومية ولكن - للأسف - إن عدة جهات قننت حضور مراجعيها عبر تحديد مواعيد لهم عبر الكمبيوتر لكنها لم تتمكن من إحداث تغيير لافت في طبيعة عملها، فحالة الانتظار ما زالت قائمة والبعض يقول إنها تصل أحيانا إلى ساعتين وثلاث ساعات انتظار في تلك الإدارات، وهذا يؤكد أن المشكلة تكمن في مبدأ الثواب والعقاب، ومبدأ إحساس الموظف بأنه حينما يعمل وينتج لن يكون حاله كحال من لا يعمل ولا ينتج.