بحكم كوني أمارس - ومنذ سنوات - التعليم الجامعي في المنطقة الشرقية فقد كان من ضمن طالباتي، طالبات من سكان العوامية، وما يجب أن يُعلم أن معظمهن كن ـ وما زلن ـ مثالا للالتزام بالقوانين حريصات على التحصيل بحمد الله، فسكان العوامية ليسوا سواء، فواحدة أو اثنتان أو ثلاث من هؤلاء أو أولئك قد نتوقف عند موقفها الفكري المتحيز، لكن ذلك لا يجوز أن يكون مقياسا يقاس عليه المجموع بطبيعة الحال، فقد يميل الفرد لهذه الفئة أو تلك لكن.. أن يترجم هذا الميل بفعل إرهابي وجرائم ضد الوطن والمواطن؛ فأمر علينا أن نكون جادين في بحثه ودراسة أسبابه وفي استئصاله نهائيا.
فمن حقنا أن نتساءل كيف يتحول بعض أبناء الوطن من معارضين فكريا إلى ممارسين للإرهاب المسلح والإرهاب الفكري؟! ومن كان وراء توجههم إلى تلك الجهات الخارجية المغرضة؟! وكيف أصبح بعضهم أعداء لنا؟! وهل يفترض أن نسلم أنفسنا لقصف النيران دون الدفاع؟! وهل سنكون كمجتمع أكثر رضا لو أهمل رجال الأمن - حفظهم الله - معالجة الأمر؟! لتتسع دائرة هذا الإرهاب الموجه فتصل نيرانه الحارقة إلى غيرها من مناطق المملكة.
وأحمد الله أنه ما زال معظم أبناء العوامية يدرك أنه خارج دائرة الخلاف، فهو يمضي وقته في أداء ما هو واجب عليه كطالب علم أو موظف.. كل في مجاله، ولكن من جانب آخر هناك من يحاول أن يشعره أنه وضع في خندق ضيق فلا إلى هذا ولا إلى ذاك، وهؤلاء من نخاف عليهم، وعلينا أن نتحرك لحمايتهم.
إن رجال الأمن يدفعون أرواحهم لننعم نحن بالأمن والسلام جزاهم الله خيرا، فعدد الشهداء وعدد المصابين منهم في ازدياد مع الأسف، هم يعرضون حياتهم للخطر لنمارس حياتنا بكل أريحية إلا أننا كثيرا ما ننسى تضحياتهم.. جزاهم الله خيرا.
أما ما يشعرني بالأسى فليس- فقط - شبابنا العاملين في المجال الأمني الذين قد يلاقون حتفهم وهم يؤدون واجبهم حفظهم الله، بل أولئك الذين غرّر بهم ووجهوا هذه الوجهة الإرهابية، فالأمر مؤلم لأنهم تحولوا بسبب انصياعهم لجهات خارجية مغرضة إلى عناصر ضررها على الوطن محتم واستئصالها أمر لا بد منه.. فهم لم يعارضوا مجتمعهم.. بل حملوا السلاح ومارسوا الجرائم الإرهابية وقتلوا وجرحوا وأرعبوا أهلهم وجيرانهم قبل غيرهم.
أما ما أراه حلا مجديا لمحاولة بعضهم زعزعة أمننا وسلامتنا كوطن؟ فأعتقد والله أعلم.. أن الواجب عدم ترك الأمر فقط بين أيدي رجال الأمن، الرجال الذين يدفعون ثمن أمننا من حياتهم، بل يجب أن يسهم كل منا في مجاله لتعديل الأمر وإفهام شبابنا في العوامية وفي غيرها.. أنهم جزء من كيان الوطن، وأنهم ثروة نعتمد عليها بعد الله سبحانه، وأن الإرهاب مرفوض سواء كان في العوامية أو في الخبر أو الدمام أو الرياض أو القصيم أو جدة أو في غيرها، الإرهاب دين من لا ملة له، ولذا فالواجب يحتم علينا معالجة فكر من هو معرض للانقياد وراء من انقاد هؤلاء الذين لم يجدوا غضاضة في ممارسة الإرهاب.
سكان العوامية هم في الغالب عرب، ينتمون إلى قبائل عربية، والعرب أمة لا تحترمها إيران الفارسية، فمن المعلوم أنها تحارب وتضيق على مواطنيها ذوي الأصول العربية الحاملين للجواز الإيراني، تمارس ذلك التضييق عليهم ولو كانوا على المذهب الشيعي، فإجلال الدولة الإيرانية وولاؤها ينصب على الجنس الفارسي ليس إلا، وبالتالي هم يعدون العرب من الدرجة الثانية إن لم يعتبروهم من الدرجة الثالثة أو ما دون ذلك، وبالتالي فلن يحصل أبناؤنا على مرادهم بالجري وراء هؤلاء، وأنصح من لا يصدق كلامي بالتوجه إلى عرب إيران الشيعة دون غيرهم للوقوف على حالتهم في إيران.
إن العنصرية الفارسية ضد العرب كجنس وضد اللغة العربية ليست جديدة على المجتمع الإيراني، فهي جزء من تراثه الذي يُدعم نظرته الدونية لغير الجنس الفارسي، حتى لو كانت الأمة التي أنجبت محمدا عليه الصلاة والسلام، الأمة التي أنجبت آل البيت.. أتمنى على أبنائنا دراسة توجهات من يحرضهم ضد وطنهم، والحذر من التبعية لهذا أو ذاك لمجرد أنه أعلن أنه حريص على مصالحهم.
بالأمس القريب تحدثت عن "داعش"، وبينت زيف ادعائهم، كما تحدثت قبل ذلك عمن مارس الإرهاب في مناطق أخرى من الوطن ممن ترك خلفه الكثير من الدماء المسفوكة، واليوم أتحدث عن هؤلاء، وأذكرهم بقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: "من حمل علينا السلاح فليس منا"، وبالتالي من يرفع علينا السلاح علينا أن نتعامل معه كخارج عن الشرعية.
لقد بين صاحب السمو الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية الموقف الثابت للوزارة من هؤلاء، فقال مؤخرا "ليعلم الجميع أن هذه الدولة عازمة وقادرة على أن تقف بحزم وقوة ضد كل من يحاول العبث بأمنها واستقرارها، وأمن وسلامة أبنائها ومواطنيها"، والأمير محمد مع ما عرف عنه من سعة الصدر إلا أنه كوالده ـ رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى ـ حازم جدا فيما يتعلق بأمن الوطن وحماية سكانه من مواطنين ومقيمين، وأنا وإن كنت أثق تماما بقدرات وزير الداخلية وقدرات رجاله حفظهم الله جميعا، إلا أنني أعتقد أن الأمر لا يتوقف عندهم بحال من الأحوال، فالمجتمع المدني عليه دور توعوي لا يستهان به، وليت الحكماء في العوامية وفي غيرها يتحدثون مع شباب العوامية ويعملون على توعيتهم، ليتهم يبينون كيف انجرف بعضهم في هذا الخندق الإرهابي المظلم الذي لن ينتهي إلى قرار آمن، والله أعلم.
كما لا أعرف ما هو موقف هؤلاء من قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده"؟! وما هو موقفهم لو تعرض أحدهم أو تعرضت أسرته لنفس الآلية التي يمارسونها على غيرهم؟! ثم ألا يعتقدون أن الإرهابي هو الخاسر الأعظم في هذا الحراك الإجرامي؟! أخيرا أذكرهم بقول رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام الذي جاء فيه: "من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه"، والله المستعان.