كلمة (الموسوعة) أو (دائرة المعارف) أو (المَعلَمة) يطلقها العلماء على المؤلف الشامل، والبحوث المستفيضة الجامعة للحقائق والمعارف الموثوق فيها، وذلك من خلال عناوين معينة، وترتيبات دقيقة، مع طريقة بحث ميسرة، لا تُلغي دور الكتب الأصلية. المصطلحات الآنفة الذكر تقابلها كلمة: الإنْسيكْلوبپِدْيا ـ Encyclopediaـ ، وهي تعبير يوناني قديم كان يطلق على سبعة موضوعات، ثم استعمل على القاموس العام لمختلف العلوم.. إصدار موسوعة موثوقة ودقيقة وميسرة للفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه كان من أهم الآمال الإسلامية، وبدأ التنادي لذلك في مؤتمر أسبوع الفقه الإسلامي في باريس عام 1370، وبعد خمسة أعوام من محاولات تذليل الصعوبات الموضوعية كانت بداية المحاولات الرسمية لإبراز القرار التاريخي العالمي إلى الواقع من قبل لجنة ملحقة بكلية الشريعة في جامعة دمشق، وصدر عام 1381 جزء يتضمن نماذج من بحوث الموسوعة لتلقي الملحوظات، ثم انتقل الأمر إلى وزارة الأوقاف المصرية، وصدر أول أجزاء هذه الموسوعة عام 1386، وصدر منها ما يربو على العشرين مجلداً؛ إلى كلمة "اقتناء"، ثم توقفت. وعلى غرار هذه الموسوعة انبعثت محاولة أُخرى في مصر في أوائل الستينات قامت بها (جمعية الدراسات الإسلامية بالقاهرة)، بإشراف الشيخ محمد أبوزهرة، وذلك باسم (موسوعة الفقه الإسلامي)، وصدر منها جزءان فقط. ومع ظهور الحاجة إلى تكاتف الجهود لضمان إنجاز هذا المشروع تبنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية مشروع إصدار موسوعة فقهية جديدة، وبلغ ما صدر منها إلى الآن ما يقرب من الأربعين مجلداً، ورغم ما تتميز به الموسوعة الكويتية من نضج منهجي بالقياس إلى الموسوعتين السابقتين؛ فإنّها لم تهتم بكافة المذاهب الفقهية المعتمدة.
مؤخراً، ظهرت للنور وبعد سنوات من العمل والبحث موسوعة فقهية متميزة، متخصصة في القواعد الفقهية والأصولية، استجابة لطلب فقهاء الأمة، إبان تأسيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، وقامت بتمويلها بكل سخاء (مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية)، والحق، وكما يقول كل مهتم بالفقه الإسلامي إن هذه المعلمة التي قرر مجمع الفقه أن يسميها (معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية) لم يسبقها في محتواها ومنهجها في تاريخ الإسلام المعاصر إلا (مجلة الأحكام العدلية).
معلمة زايد تميزت بأنها ضمت قواعد الفقه الكلية، وليس فروع الفقه، ومسائله، ولأجل ذلك حوت أقسامها القواعد المقاصدية والأصولية، والفقهية، والضوابط الفقهية، وتميزت كذلك بأن موادها من المذاهب الثمانية التي استقرت عليها الشعوب والحكومات اليوم، وأنها لم تشتت ذهن المطالع فيها ببيان الجزئيات الفقهية الكثيرة، وأنها تكفلت بعرض مجموعة من التطبيقات الدالة على أن الزمان والمكان لا يصلحهما إلا الشريعة.
معلمة زايد ـ رحم الله الشيخ زايد، وجزى العاملين على المعلمة خير الجزاء ـ جعلت المعرفة الإسلامية مكتملة، وقربت أصحاب المذاهب من بعضهم بعضا، ويحق لكل فقيه وطالب علم أن يعتز بهذا المشروع العلمي الذي أضاء الطريق للناس للتعرف على أصول دينهم ومنهجه القويم، وأظهر التقارب الفقهي الواسع بين المذاهب الفقهية، وبين أن الفوارق مصدر إثراء، وأن المذاهب ليست مجرد تراث، بل هي المعين على فهم مسالك أصحابها، التي بدونها لا يمكن أن نحل قضايانا الشائكة.. ولعلي أجدها فرصة لأطلب من القائمين على أمر المعلمة ـ وفقهم الله تعالى ـ أن يضاعفوا جهدهم لتأمينها للمهتمين، فالطلب عليها أكثر من العرض بكثير.