تمثل الطاقة النووية أحد أكبر المخاطر على سلامة الشعوب في العالم. وعندما بدأ التفكير في استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء في الماضي لم يكن البترول والغاز بديلين متاحين بالوفرة لتغطية الاحتياج، وإذا كان اتخذ القرار في الماضي لأسباب مقبولة فإن الحاضر أثبت فشل الطاقة النووية في تحقيق اقتصاديات تشغيل أرخص وأوفر اقتصاديا للدول المستخدمة مقارنة بأسعار البترول والغاز.

أصبح العالم في قلق مستمر بعد أن فقدت البشرية حوالي مليونا وسبعمئة ألف إنسان بسبب مباشر وغير مباشر من جراء كارثة تشرنوبل، حسب تقديرات الدكتور بريتيل وهو عالم أوبئة بارز. ويوجد على مستوى العالم 499 مفاعل قوى الطاقة النووية بقوة إنتاج 451 ميجاوات تشكل 16% من إنتاج الكهرباء العالمي.

ورغم أن الشعوب لم تستشر في استخدام الطاقة النووية بالإضافة إلى جهلها بآثارها السلبية وبعدها عن اتخاذ القرار، إلا أن الشعوب تغيرت ثقافتها وعلمها وتألمت مما حصل في تشرنوبل وكارثة المفاعل النووي في اليابان، مما دفعها إلى الاحتجاج والرفض، وتجاوبت الدول الصناعية مع رغبات شعوبها والمنظمات المدنية فبدأت قرارات وقف استخدام الطاقة النووية من السويد عام 1980 وإيطاليا عام 1987 وبلجيكا 1999 وألمانيا عام 2000. كما ناقشت بعض الدول الأوروبية خططا لوقف الطاقة النووية بالنمسا وإسبانيا. وحتى الولايات المتحدة أول دولة تنتج الكهرباء من خلال محطات نووية في العالم وهي أكبر دولة في العالم منتجة للطاقة النووية، فقد أعدت دراسات وأبحاثا امتدت حوالي عشرين عاماً، صرفت عليها عشرة بلايين دولار لمحاولة تخفيض الآثار السيئة من الطاقة النووية وعلى وجه الخصوص النفايات النووية، وقد قررت مؤخراً إدارة الرئيس أوباما إلغاء مشروع يوكا ماونتن الذي كان يفترض أن يشكل مخزناً نهائياً لكل الوقود النووي المستنفد، وحسب تقرير لجنة (بلوريبون) أن دافعي الضرائب من الشعب الأميركي سددوا حوالي بليونين دولار عام 2002 تعويضات لأصحاب المرافق النووية مقابل إغلاقها، ويتوقع أن يسدد دافعو الضرائب من الشعب الأميركي حوالي عشرين بليون دولار بحلول عام 2020.

ويعود السبب الأساسي في فشل استخدام وتطوير الطاقة النووية إلى عدم القدرة على تطوير مخازن بيولوجية للنفايات النووية التي تدوم طويلاً، ولا يتوقع أن تكون هناك مخازن بعد التشغيل في المدى القريب، رغم أن فرنسا والسويد وفنلندا وسويسرا حققت بعض النجاح غير المجرب.

أما الكارثة الأكبر، فهي سوء استخدام الطاقة النووية في الحروب وأثرها على الشعوب عند الاستخدام السيئ لهذه الطاقة في الأزمات والانقلابات والحروب الأهلية، بالإضافة إلى عدم القدرة على حماية محطات الطاقة من عبث المخربين أو عدم ضمان وسائل سلامة أمنية للشعوب المحيطة بها.

فإذا إذا كان التوجه اقتصاديا، ولهدف المحافظة على البترول والغاز للدول المنتجة للنفط لمدد أطول وتوفير الجزء المستخدم منه لتوفير الطاقة، فالرد على هذا التوجه هو أن معظم الدراسات المتعلقة بالطاقة النووية لم تثبت الجدوى الاقتصادية لاستخدام الطاقة النووية، بل أثبتت بعض الدراسات أن الطاقة النووية هي أغلى مصادر الكهرباء.

إن ما يدفعني إلى كتابة هذه المقالة هو تصريح أحد المسؤولين في مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في السعودية، بأنها تضع اللبنات الأخيرة هذه الأيام على استراتيجية الطاقة النووية والمتجددة في المملكة، وفي حال إقرار هذه الاستراتيجية من قبل الحكومة السعودية فإنها ستفتح آفاقا جديدة، وستغلق باب الاعتماد على النفط والغاز فقط في توليد الطاقة. وهنا أتساءل: هل يعقل أن نضع استراتيجية جديدة للطاقة النووية لمستقبل توليد الطاقة الكهربائية، والعالم ـ وعلى رأسه الولايات المتحدة وأوروبا ـ يعمل على التخلص من محطات الطاقة النووية لحماية وسلامة شعوبها؟ أليس من الأولى أن نستفيد من تجربة مئة عام سبقتنا فيها بعض الدول الصناعية الكبرى ووصلت إلى نتائج فاشلة أدت إلى إغلاق بعض المحطات النووية؟

أرجو ألا يفهم من عرضي اليوم أنني ضد الطاقة البديلة، فأنا من الأوائل الذين يطالبون بالطاقة البديلة ولكن ليس بالطاقة النووية.

إن قرارا مثل قرار اعتماد استخدام الطاقة النووية لتوليد الطاقة أو غيرها، يحتاج إلى موافقة شعبية ابتداء من مجلس الشورى ومؤسسات المجتمع المدني. وضرورة إشراك العلماء والمفكرين وأصحاب الرأي الآخر للاستماع إلى آرائهم. إن أرواح الأبرياء من الشعوب أمانة.