منذ ما يزيد على أسبوع، انتشر خبر اختراق في مجال أبحاث الانصهار النووي الحراري في مختبر لورانس ليفرمور الوطني في الولايات المتحدة. لأول مرة، أنتج تفاعل انصهار تجريبي فائضا صافيا من الطاقة، باستخدام 192 ليزر، أطلقت جميعها الأشعة في وقت واحد في كبسولة صغيرة تحوي بلازما الديوتيريوم والتريتيوم، وهما من نظائر الهيدروجين. علماء مختبر ليفرمور الذين قادوا التجربة نشروا نتائجهم في عدد صدر مؤخرا من مجلة (ناتشر)، الأمر الذي أثار إشادة دولية وتغطية إعلامية واسعة.
سبب الحماس بسيط: آفاق اختراع طاقة رخيصة لا تنضب تقريبا وصديقة للبيئة. التطبيقات الصناعية لها إمكانيات هائلة، لأن درجات الحرارة العالية التي تم الحصول عليها في رد فعل الانصهار يمكن أن تقدم مزودا لا ينضب من المواد الخام من خلال إعادة التدوير باستخدام شعلة انصهار. المواد المستعملة والنفايات يمكن تكسيرها إلى عناصر أساسية لاستخدامها في سلاسل التصنيع والتوريد. بالإضافة إلى ذلك، ليست هناك مشكلة التحويل إلى سلاح مع الانصهار، والمكون الرئيسي في العملية هو مياه البحر. من خلال عملية الانصار، تصبح تحلية المياه حلا ممكنا بالفعل لأزمة المياه العالمية التي تبدو في الأفق، والتي تم الإعلان عنها بالفعل في دول مجلس التعاون الخليجي، والشرق الأوسط بشكل عام.
على مدى عقود من الزمن، كانت احتمالات التوصل إلى انصهار نووي حراري مجرد رؤية وهدف بعيد، لكن الجدول الزمني يمكن أن يتأثر إذا كان هناك برنامج دولي سريع يسعى إلى الحصول على طاقة الانصهار ليس من أجل التطبيق التجاري المباشر، ولكن كجبهة حقيقية للمستقبل. الأبحاث حول الانصهار تتم في مناطق عدة حول العالم، في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية. الدول الثمان جميعها مشاركة في المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي، أكبر مفاعل انصهار يتم بناؤه الآن في فرنسا. بحبس أحد العلماء الأميركيين المشاركين في البرنامج، أول مفاعل انصهار تجاري يمكن أن يأتي بحلول 2025.
من المفارقات أن الصين في مقدمة هذه الرؤية للانصهار، حيث عبر الرئيس الصيني عن دعمه لطاقة الانصهار، وحيث المهمة الرائدة لاستكشاف القمر هي حجرة نحو مستقبل الانصهار. الصين تربط بين برنامجها الفضائي مع رؤية "طريق الحرير الجديد" الذي يشجعه الرئيس الصيني أيضا ليربط بين آسيا وأوربا.
الصين ودول أخرى تقوم باستعدادات مبكرة للتنقيب عن هليوم 3 على القمر. هليوم 3 هو وقود مثالي لمفاعلات الانصهار المستقبلية. في 2006، نشرت وكالة ناسا الأميركية للأبحاث الفضائية مخططات لإنشاء مجمع صناعي على القمر. وفي حين أن تقليص الميزانية أعاق تقدم الولايات المتحدة، إلا أن هبوط الصين مؤخرا بنجاح على سطح القمر يهدف إلى رسم خريطة لسطح القمر بهدف التنقيب عن الهليوم 3 مستقبلا من أجل برنامج الانصهار العالمي على الأرض.
يقدر علماء ناسا أن هناك ملايين الأطنان من هليوم 3 في تربة القمر، بينما هو نادر على سطح الأرض. مركبة فضائية واحدة يمكن أن توفر وقودا كافيا لمفاعلات انصهار لتوفير الطاقة للولايات للاقتصاد المصري بكامله لمدة سنة كاملة. ما يبينه الاختراق في ليفرمور، بالرغم من المشككين، أن الانصهار حاليا اقتراح حقيقي خلال حياتنا نحن.
مع الالتزام الدائم لدول مجلس الخليج في تطوير الطاقة النووية، يجب أن تأتي الاختراقات في مجال أبحاث الانصهار كخبر جيد. منذ 2006، تخطط دول مجلس التعاون الخليجي لبناء مصانع انصهار. أربعة مصانع من هذا النوع قيد الإنشاء في الإمارات، وأول طاقة تجارية سيتم توليدها خلال السنوات القليلة القادمة.
في أغسطس من عام 2209، أعلنت الحكومة السعودية عن مخططات طموحة لبناء طاقة نووية. في أبريل 2010، صدر مرسوم ملكي يقول إن تطوير الطاقة النووية أساسي لتلبية احتياجات المملكة المتزايدة للطاقة لتوليد الكهرباء، وإنتاج مياه التحلية، وتقليص الاعتماد على استنفاد الموارد الهيدروكربونية. مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة أنشئت بعد ذلك بفترة وجيزة في الرياض لتوجيه البرنامج. كما تفاوضت المملكة مع الأرجنتين من أجل بناء مصانع طاقة نووية صغيرة لاستخدامها في تحلية المياه؛ وكوريا الجنوبية، المتعاقد الرئيسي في أربعة مصانع طاقة نووية في الإمارات، وقعت اتفاقية تعاون في البناء والأبحاث والتطوير والتدريب لمواطنين سعوديين في صناعة الطاقة النووية. ووقعت السعودية في يناير 2012 اتفاقية مع الصين لشراء الوقود من أجل مصانع الطاقة المستقبلية، بالإضافة إلى الصيانة.
من خلال هذه المخططات لإنشاء قطاع طاقة نووية خلال السنوات العشرين القادمة، تستطيع السعودية أن تساعد أيضا في تشجيع الاختراق القادم في مجال طاقة الانصهار.
جدير بالملاحظة أنه منذ فترة قريبة، أعلنت السعودية، لأول مرة، أن عدد سكانها تجاوز لأول مرة 30 مليون نسمة. عدد السكان المتزايد، ارتفاع احتياجات الطاقة التي تصاحب التحديث والتطوير للقدرات الصناعية والزراعية وتحسين البنية التحتية كلها تستهلك الطاقة بكثافة.
ومهما بدا الاحتمال بعيدا، فإن الإعلان الأخير عن الاختراق في مختبر ليفرمور له آثار كبيرة وتداعيات مثيرة للشرق الأوسط وللبشرية جمعاء.