قبل أيام انتشر فيديو keek قامت بتصويره طفلة ربما في العاشرة من عمرها، تمتلك هاتفا ذكيا، وتستطيع المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون علم الأهل، في ظل إهمالهم وقلة متابعتهم، وقد لطخت عينيها بالكحل الأزرق وبطريقة عشوائية تعكس مدى حاجتها للتزين، واهتمامها بتقليد الراشدات، مع قلة إلمامها بالطريقة الصحيحة لوضعه، كانت تتحدث غاضبة لتوكيد نفسها حسب ملاحظتي كردة فعل لإساءة تعرضت إليها من بعض المشاهدين لمشاركاتها، هذا بغض النظر عن سوء السلوك والطريقة اللذين استعرضت بهما حديثها، وهذا يبرر نظرية التعامل بالصفات المُكتسبة من محيطها.
رغم ما كان يبدو لي من إيمان الفتاة بذاتها، حين كررت مرتين طلب الرد عليها "بتعليق حلو" كشرط منها لقبول التعامل مع ما تطرح، لاحظنا أن البعض يلتقط مثل هذه التسجيلات ويتناولها بالسخرية كطريقة للاستخفاف وإضحاك القاعدة الجماهيرية من متابعيه، كما فعل الفكاهي الذي نسميه "المنسدح ممدوح" واستعراضه لحالتها في الفيديو المسجل بطريقة لا إنسانية، حين سخر من شكلها وأسلوبها، والغريب أن هذا السلوك السيئ يقف بمجابهة لا ترحم إزاء تعبيرات طفلة صغيرة ما زالت في حاجة إلى التقبل والكثير من أساليب العطف والاحتواء والتقويم السلوكي والتربوي.
أحدث التفاعل السلبي موجة عارمة من السخرية لا تراعي سنها أو طريقة تنشئتها، إضافة إلى أن سرعة التداول والانتشار لمثل هذه التعليقات التي يراها البعض ضرورية للإضحاك أوصل الأمر إلى أهلها، وكما تداولت الأحاديث أن ردة الفعل كانت سيئة من قبلهم، حين قاموا بتعنيفها ومعاقبتها على هذا السلوك، متجاهلين أن هذا التصرف هو انعكاس وناتج بالضرورة عن إهمالهم وطريقتهم الخاطئة في التربية، وأعني أن ابنتهم نتيجة لمحيطها، وبهذا ليست مذنبة، فبدلا من التعامل السيئ يفترض أن ينظروا للأسباب التي أظهرتها للناس بهذا المظهر، وماذا ينبغي علينا لنجعل من الأبناء انعاكسا ناجحا ومشرقا في المحيط الاجتماعي، وتمثيلا لتربية صالحة حتى ولو ظهرت على حسابات افتراضية يستخدمونها ويتشاركون بها مع الآخرين.
إذا كانت هذه الفتاة تحاول المشاركة أو البروز بين مثيلاتها فهذا حقها، ولو انتهجت السلوك الخاطئ، إلا أنها تدفعها الحاجة الفطرية لتحقيق الذات، غير أن التصور للحالة التي مرت بها تجعلنا نفسر كيف يقع الكثير ضحية لظروف محبطة ومحيط سيء ومدمر للذات الإنسانية، فلا بأس من منح مساحة من الحرية للأبناء بامتلاك الأجهزة الذكية، ومشاركتهم أوقاتهم وإتاحة الفرصة لهم بالتشارك مع الآخرين بما يتناسب مع مراحلهم العمرية، من خلال توجيههم بالطرق الصحيحة للتعامل مع ما يواجهون، هذا إذا كنا نؤمن أن التسيب والإهمال يأتيان ضدين للعنف والمنع، وأن كلا الطريقتين خاطئة ولا تصنع الجيل الناجح.