موضوعي اليوم ليس تحاملا على أحد وخاصة الهيئة التعليمية، لأن غالبية المدرسين والإداريين في مدارسنا، إن لم يختاروا بأنفسهم هذا المجال حبا ورغبة في العمل مع أجيال المستقبل أو لأي هدف سام آخر، يكفي بقاؤهم فيه رغم الأجور المنخفضة قياسا مع المهام التي تفرض عليهم والتي كثيرا من الأحيان تكون أكثر من طاقاتهم، خاصة تلك التي تعتبر خارج تخصصاتهم أو مسؤولياتهم الأساسية، سلوك راق ونبيل يجب أن يقدر ويحسب لهم، كما يجب تقديم الدعم لهم، ليس من أجلهم فقط بل من أجل من بين أيديهم أيضا.

تقول إحدى الأمهات لا شيء أسعدها بقدر جملة قالها ابنها بعد تخرجه من الجامعة ودخوله سوق العمل: "لقد كنت مستعدة أن تدكي الجبال دكا من أجلي وهذا ما جعلني أشعر بأنني دائما في أمان وقوة".

إن عامل المساندة والثقة والدعم الدائم للتلميذ والطالب له أثر كبير في نفس الابن أو الابنة وإن لم يظهره في حينها. تقول إحدى الأمهات "كنت أتابع ابني من الحارس إلى المدير، وحدث يوما أنه حين كان عمره تسع سنوات، نقلته إلى مدرسة جديدة وجدت بعد دراسة وبحث أنها الأفضل أكاديميا، ومن الطبيعي أنه كان خائفا، مما أثر بالطبع على ردة فعله وتعامله مع من حوله، وحين أوصلته إلى باب المدرسة خرج من السيارة ببطء شديد وسار في اتجاه بوابة المدرسة، كان في طريقه مدرس التربية الرياضية، الذي كان يشرف على دخول التلاميذ، وكم كانت دهشتي حين توجه ذاك المعلم وأمسك بكتف ابني ودفعه بعنف إلى داخل البوابة، وهو يصرخ في وجهه بأن يسرع، ولن أنسى أبدا نظرة الانكسار والخجل التي استوطنت وجه ابني، ووجدت نفسي في ثوان أقفز خارج السيارة لأقف أمامه، كيف؟ لا أدري كل ما أتذكره أنني قلت له في غضب وأنا أحاول، وبصعوبة، التحكم بأعصابي وألفاظي: "إياك أن تدفع ابني بهذه الطريقة مرة أخرى"، واستدرت إلى ابني فوجدته ينظر إليّ نظرة لن أنساها في حياتي، نظرة شكر، صعب أن تُعرف حتى تعايش في أعين الآخر".

هنا يجب أن نتذكر أن دورنا ليس فقط التأكد من أنهم في صحة وعافية، أو أنهم تناولوا وجبة صحية أو أنهم أنهوا الواجبات المدرسية، أو أن ملابسهم نظيفة، أو حتى تسجيلهم في دورات صيفية أو مهارية مختلفة، ولكن هنالك دورا هاما يجب أن نستعد له، إنه دور "المحامي"؛ المدافع، المستعد دائما للتدخل لمصلحة الابن، وهذا هو بالضبط ما يجب أن نكون عليه وقت حاجتهم لنا. نعم إن التعليم يعاني، وليس عندنا فقط بل من أمريكا للصين لليابان، وفي كل بلد توجد مشاكل وتحديات لأي نظام تعليمي، ونحن لسنا بمختلفين عنهم ونعاني أيضا، خاصة مشاعر الإحباط التي تغلف الجهاز الأكاديمي والإداري، وفي قلب كل ذلك أبناؤنا، نحن نطالب بالتغيير نعم، نطالب بتحسين أوضاع المعلمين والمعلمات ماديا ونفسيا ومهنيا سواء في التعليم العام أو الخاص، نعم ولكن في الوقت نفسه يجب أن نطالب بأن يصحح فورا أي تعد أو خطأ، فنحن نستطيع أن نتعايش مع التحديات من خلال المساندة أو المواجهة حين يحتاج الأمر، ولكن يجب ألا نتقبل أبدا، وألا نقف ساكنين أمام أي أمر قد يتسبب بتشويه شخصية الأبناء، أو يقضي على فضولهم الفطري للبحث والتعلم، أو أن يدمر ثقتهم بأنفسهم.

والتالي بعض الأمور التي لا يمكن التغاضي عنها والإسراع في ارتداء ثوب المحاماة للدفاع حين تظهر: العنف الجسدي، التحطيم النفسي، الإحراج أمام الغير، عدم إدخال الابن في أي برنامج بعذر أنه هادئ أو بطيء أو لأنه غير متحدث، التأكد من التقارير السلبية التي يرسلها المعلم من خلال التحدث مع معلمين آخرين يدرسون الابن، والتأكد من أن المعلم لا يقوم بذلك مع عدد من التلاميذ كي يغطي على تقصير. نعم هنالك من يقوم بذلك فلا نستغرب، وإمكانية أن تحصل مع أبنائنا واردة. والمسألة ليست سوى تأكد، وهذا ليس تعديا أو خطأ. هذا حماية ودفاع، وإذا حدث أن شعرت بأنه تمت معالجة مشكلة من مشاكل ابنك بشكل غير عادل، فلا تتردد في التوجه للمدرسة للاعتراض لدى المدير، للمشرف، للإدارة التعليمية، للوزير إن احتاج الأمر، ولا تنس أن هنالك من يتابع كل ذلك ويتعلم ليس فقط عن حقوقه بل عن قوة دفاعك واستعدادك لتسلق أعلى الجبال من أجله، ودائما.. دائما صدق ابنك حتى وإن كان لديك شكوك، حتى يتشجع ولا يخفي عليك شيئا، وفي الغالب سوف يتذكر لك هذا الموقف في المستقبل، ولكن كل ذلك لا يعني بأن نكون غير حضاريين سلوكيا، فيجب أن نتعامل باحترام مع المعلمين والمعلمات أو أي مسؤول، لأن في ذلك درسا لأبنائنا، درسا لا يقدم لهم أفضل مما يقدم عن طريقنا. وأخيرا اعلم أنه عمل شاق ويتطلب المثابرة وفي بعض الأحيان الشجاعة والجرأة، لكنه سيؤتي ثماره فيما بعد، خاصة في بناء الشخصية وتنمية الاعتزاز بالنفس والكرامة.