ذلكم العنوان بعاليه والحقيقة البينة التي اختلطت بأكاذيب وحقائق مزيفة أخرى، أُريد بها تسعير الفتن والنعرات مع استغلال واستثمار محترف لأخطاء مختلف الفرقاء والتقسيمات المجتمعية، كالجيوش والقبائل والطوائف والفصائل الأيديولوجية، يضرب بعضها ببعض في إطار مرحلة جديدة وحلقة متقدمة من حلقات المشروع العالمي التوسعي الاستعماري الجديد الذي تتفلسف وتعمل عليه القوى العالمية البروـ صهيونية في رغبة منها لإرساء قانون عالمي جديد ورسم خارطة جيوسياسية جديدة لما يسمى الشرق الأوسط الكبير، لكن هذه المرة بشكل أكثر فعالية وسرعة بما يضمن مساحات جغرافية فارغة تتوسع عليها أحلام إسرائيل الكبرى.

إسرائيل تقترب من تحقيق حلمها، هذا واقع محسوب كما تحسب خيارات اللعب على رقعة الشطرنج، فبعد وصول مختبراتها العسكرية حدود الإبداع والاختراع وتتبعها في ذلك مختلف مراكز الأبحاث العالمية الأخرى، فبعدما وصلت علوم الموت سن يأسها، وعقارب الساعة تَعِدُ الترسانات العسكرية بالعودة إلى ما قبل القرن الثامن عشر مع ما يروجه الاستشرافيون من إمكانية انقراض البترول ما بعد الألفين والخمسين ميلادية، دم الأرض هذا الذي أراق ملايين من براميل دم البشر ولا يزال. وبالنظر إلى الحالة البنيوية السياسية والعسكرية لدول المحيط الإسرائيلي والتي تبدو بطبيعة الحال ضعيفة إلا أنها تحوي جيوشا تمت ترسنتها وتسمينها بمقتضى اتفاقيات كـ"كامب دايفيد" مثلا، بذريعة استتباب الهدوء والأمن بمحور الشرق الأوسط.

ومما سبق يتضح جليا أن رهان حرب توسعية مباشرة مع تلك الدول سيكون مغامرة حمقاء ذات فاتورة باهظة، خصوصا مع ما آلت إليه تجربة عام 2006 مع ميليشيات حزب الله الشيعي، لتطفو أهمية إيجاد حل أكثر نجاعة وأقل تكلفة تقضي به المصالح دون جهد يذكر، وأول مصلحة هي التخلص من الحراس والممانعين المارقين المحيطين، أو على الأقل إضعافهم إلى أبعد مستوى ممكن حتى تتسنى السيطرة والتمكين للقطب الوحيد. لكن كيف؟ وإلى أي مستوى أمكننا الاقتصاد والتقشف لتحقيق ذلك؟ هناك حل: الفتن العابرة للحدود. الفتن (الثورات) وفي الفتن ما تشتهيه "إنتلجنسيا" الفوضى والدمار من إضعافٍ وقضاءٍ على أي نظام، كيفما كانت قوته واستقراره باستثمار بسيط لا يتعدى وعودا بالنصرة لمختلف الزمر المتصارعة الساذجة، مع تمويل لبعض القنوات المغرضة وبعض الخرجات السياسية التي تشتق لها من مراجع الشهامة شذرات لِتُسَعر بها نار الثأر والانتقام لفريق على آخر، وهذا السيناريو أعاد نفسه مرات عديدة من فتنة تونس بداية إلى ما يقع الآن في مصر اليوم، مرورا عبر سورية في سلسلة من النكبات عنوانها الموت المتواصل واقتراب أكثر فأكثر إلى نهاية ما تبقى من حضارة عربية عرجاء. فاليمن وتونس وسورية وليبيا ومصر، بشعوبها الثائرة وجيوشها الكاسرة ما هم إلا ضِباع في سيرك الفتنة الكبرى، ما هم إلا جحافل من المتصارعين، طوائف من الغباء والعنجهية الإثنية والأيديولوجية والعرقية وغيرها من نزاعات البلقنة والانقسام في حروب يتساوى فيها الظالم والمظلوم، يتساوى فيها القاتل والمقتول. فلنحافظ على أوطاننا ما حيينا، وعلى وحدتنا مَهما ظَلمنا أو ظُلِمنا، لا شيء يضاهي حلاوة الأمن والأمان والانتماء لخير الأوطان.