قبل سنوات قمت بزيارة للجوف.. كانت المنطقة حينها تحتفل بمهرجان الزيتون.. أظنه المهرجان الأول.. تجولت في المعرض المصاحب له.. توقفت أمام عدد من الرسومات التشكيلية.. التقليد في المعارض التشكيلية، أن يقف الرسام قريبا من رسوماته.. سألت الواقف جواري أين الرسام؟.. أشار إلى شاب يجلس على عربة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.. اقتربت منه.. سألته عن نوع إصابته فقال لي: "شلل رباعي".

"يبدو أن هذه الرسومات أنجزتها قبل إصابتك؟ ـ سألته، ففاجأني بالقول: "بل رسمتها بعد إصابتي".. لم أستوعب ما يقول.. الرجل مصاب بشلل رباعي.. فهمت فيما بعد أن هذا الشاب يمارس الرسم بواسطة الرأس.. يتم تثبيت ريشة الرسم في رأسه.. ثم يبدأ في ممارسة هوايته.. استطاع رسم خمسمئة لوحة تشكيلية، الواحدة أجمل من الأخرى..

لا أعلم والله هل سبق أن حدثتكم عنه أم لا؟.. إن لم أفعل فاعذروا تقصيري.. حديثي عن الفنان التشكيلي الشاب الرائع المذهل "أكرم العيد".. مبتكر طريقة الرسم بالرأس لذوي الإعاقات الشديدة على مستوى العالم.. وأول مدرب سعودي من ذوي الإعاقات الشديدة لتعليم ذوي الإعاقات الشديدة استخدام الكمبيوتر بالرأس.. أصيب بالشلل الرباعي في عام 1429، وذلك أثناء مشاركته مع المنتخب السعودي في البطولة الخليجية الأولى لألعاب المغامرة والتحدي بالكويت.. لم يركن لليأس والإحباط.. صنع من نفسه ـ بفضل الله ـ شخصا ناجحا.. بل بطلا عجيبا يحمل سيرة ذاتية ضخمة، وألقابا ومناصب عدة يحسده عليها الأصحاء.. حصل على عشرات الدورات.. له مشاركات مختلفة يصعب حصرها.. حرصت قبل كتابة هذا المقال على قراءة سيرته الذاتية أكثر من مرة.. ما زلت غير مصدق، كيف لهذا الشاب أن يتحدى هذه الإعاقة الشديدة، ويقدم ما يعجز عنه ألف شاب؟ كيف له وهو بهذه الإعاقة أن يحقق كل هذه الإنجازات؟ ـ "وإذا كانت النفوسُ كِباراً.. تَعِبَتْ في مُرادِها الأجسامُ" ـ يحزنني ألا أشاهد هذا الشاب المذهل في أي مهرجانات رسمية كالجنادرية ومعرض الكتاب واحتفالات المناطق وغيرها.. هذا وأمثاله هم من يستحقون التكريم والحفاوة.

ابحثوا عن "أكرم العيد" واقرؤوا سيرته الذاتية.. كي تدركوا أنه ليس كل من يسير على قدمين يستحق المشاركة!.