بدأت الملاعب السعودية منذ زمن بعيد تعتمد على اللاعب والمدرب الأجنبي حتى أصبح العنصر الأجنبي في حياتنا شيئا مألوفا، ولكنها دخلت في مرحلة جديدة بدخول الصراع بين فريقي الهلال والنصر وغيرهما من الأندية السعودية التي بادرت باستخدام اللغة الإنجليزية في الملاعب بطريقة مشينة ومحزنة ومؤلمة أن تحدث في ملعب وطني؛ حتى شككت أن من يدير الأندية ويلعب فيها وينظم المباريات ويشجع الفرق أجانب، وكنت سوف أصدق ما أرى بأن الفرق التي تلعب فرق إنجليزية بينما ملابس بعض من الجمهور أعطتنا الانطباع بأنها فرق أو أندية سعودية، عربية اللسان والكيان والبنيان، هذه الممارسة الخاطئة لفرق وطنية في ملعب وطني مع جمهور وطني، وتنقل مباشرة في تلفزيون وطني أمر غير مقبول مهما حاول البعض تبريرة أو التقليل من أهميته، هذه الأندية ليست مسؤولة عن ترفيه المواطنين ولكن لها وظائف من تنمية الشعور الوطني وغيره. ولعلنا نضع هذه الأندية في حجمها الحقيقي، فجمهورها العربي موجود في الخليج بشكل محدود، ولكن بالمقارنة لا جماهيرية لفرقنا السعودية في الدول العربية الأخرى سوى ما تنشره الصحافة في تلك الدول إذا تكرمت في صفحاتها الرياضية ببعض الأخبار.
إذاً لماذا تستخدم الأندية السعودية الوطنية المطعمة ببعض اللاعبين الأجانب الشعارات المكتوبة باللغة الإنجليزية في مخاطبة الجماهير؟ وهل هؤلاء الجماهير أجانب لا يفهمون اللغة العربية؟ إن نسبة المشجعين لكل فريق مقارنة بالمواطنين هي المؤشر الذي يحدد كثافة وجماهيرية الأندية، ولهذا نجد أن النسب لكل فريق مقارنة بالمواطنين قليلة جدا، حيث كل ناد يستحوذ على نسبة معينة من الجماهير، إذاً ما هو التفسير عند هذه الأندية في استخدام اللغة الأجنبية؟ فإن كانت تريد مخاطبة الخارج فنحن نتوقع بأنه غير مشغول بها، ولا تهمه لا من قريب ولا من بعيد، سوى بعض المدربين أو اللاعبين الذين يبحثون عن فرص مالية في الخليج نتيجة غياب الضرائب (ضريبة الدخل) التي دائما تكلف اللاعبين الأجانب في بلدانهم الشيء الكثير، ولهذا لا تأتي موضوعات الرياضة ولا أخبار أنديتنا حتى في أخبار صحفهم إلا في حالات نادرة جدا، بينما ندفع لهم في ميادينهم مئات الملايين حتى تظهر أسماء مؤسساتنا وشركاتنا في ملاعبهم وبين جمهورهم الذي يعرف أن قيمة تلك الإعلانات ستعود على بلدانهم بالمال الكثير، والمفارقة أننا نعمل في صحفنا العجائب ونضخم الأشخاص والأندية ونسمن الأجنبي ونعطيه مساحة واسعة في صحفنا وفي عقولنا.
لقد كان لاستخدام اللغة الإنجليزية في ملعب وطني سعودي ولفرق وطنية سعودية الأثر السيئ على نفوس من يعي خطورة الاعتداء على اللغة العربية وتهميشها حتى في الملاعب الرياضية التي تحولت إلى ميادين للمبارزة وإشهار الاحتقار للغة العربية وعدم احترامها، ولكن أكثر من هذا عدم احترام الوطن وسيادته واستقلاله وهويته وجماهيره. شعار النصر "النصر إلى الأبد" وشعار الهلال "الموج الأزرق" أحلى بالعربية بدلا من الإنجليزية، وأكثر مصداقية ووطنية وأصالة وعروبة لتلك الأندية.
هناك قوانين وتشريعات باستخدام اللغة العربية السليمة في التعليقات الرياضية، ولهذا كان المعلق الشهير للمصارعة الحرة الأستاذ إبراهيم الراشد يستخدم الفصحى في التعليق عندما بدأت المصارعة في تلفزيوناتنا، وكان لها تأثيرا كبيرا للغاية على جمهور واسع نتيجة استخدامه للغة العربية الفصحى بشكل مؤثر وفعال، حيث زادته الفصحى تمكناً وأضافت له قيمة انعكست على جماهيرية المصارعة ومتابعتها، وأسهم بتعليقه في تصحيح الكثير من الألسن المعوجة في بيوتنا بحكم استخدامه اللغة العربية الفصيحة السليمة. واليوم يخرج علينا معلقون رياضيون بعضهم يتعلق ويعلق بلهجة دخيلة، وآخر يجعل من اللغة الأجنبية مرجعا له ليعبر بها عن معرفته للأجنبية، ونسوا أنهم يخاطبون جمهورا عريبا يتحدث العربية التي تمثل السيادة والاستقلال الوطني.
الرياضة ليست بمنأى عن الثقافة وعن السياسة على المستوى الوطني والعربي بل هي إحدى أدواتهما في إدارة المجتمع، كما أن الرياضة ليست خارج حلبة الصراع اللغوي الذي يكتسح الساحة الوطنية والعربية بشكل غير مسبوق نتيجة غياب سياسات وقوانين لغوية تحمي اللغة العربية من التهميش في كل مكان، حتى في عقول المواطنين الذين ابتلاهم هذا الزمن باللغة الأجنبية التي ربطت بكل شيء في حياتهم.
إن الرياضة جزء مهم من أدوات التطبيع الاجتماعي، بل إنها إحدى الأدوات التي تتم بها تنمية الحس الوطني والشعور بالانتماء لدى الأفراد. ولهذا تعمل الرياضة على تعزيز القيم الوطنية وتأصيلها وترسيخها في نفوس المواطنين، وقد يعتقد البعض أن من يعمل في الرياضة أو يشتغل بها غير مهموم أو معني بقضايا اللغة العربية، وأنها ليست من مسؤولياتهم، وهذا غير صحيح، لأن اللغة العربية مسؤولية الجميع، وهي "العرض" الذي يجب الذود والدفاع عنه بكل الوسائل المتاحة في ومقدمتها رفض الجماهير استخدام أنديتهم اللغة الأجنبية بدلا من لغتهم العربية، التي يجب أن يعتزوا بها ويدافعوا عنها ويشجعوا استخدامها بشكل سليم. وإذا كان يقال "العقل السليم في الجسم السليم"، فإنه الوطن السليم في اللغة الوطنية السليمة.