نايف عبوش


لعل أهم استدلال نخرج به من فرض الله سبحانه الحج على المسلمين هو أن هذه الفريضة، هي ليست فقط، مجرد أداء شكلي لمناسك عبادة الحج المادية والمعنوية، بمعنى الانقطاع عن المعاشرة، وبذيء الكلام، والرفث، والفسوق، ونحر الضحايا، والحلق أو التقصير أثناء أداء مناسك الحج، وإنما المراد منها لاشك أنه أبعد من ذلك. فالمطلوب هو تحقيق منهج السلوك القويم الشامل، المتمثل في الاستقامة المطلقة لله، وعدم الفسوق، والرفث، وترك الانخراط في الجدل العقيم في أمور تافهة، لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تقدم ولا تؤخر شيئا لمعالجة واقع حال المسلم المزري المثقل بكثير من السلوكيات الخاطئة، بما يحقق وحدة المسلمين مناسك ومجتمعاً.

ولعل ذلك التصور المجمل هو ما يمكن أن تستجليه من معان بهية في حصر فريضة الحج بأيام معدودات، كأن المراد بذلك إقامة مؤتمر تعبدي سنوي، في ورشة عمل إيمانية جماعية، تستهدف تدريب المسلم دورياً على تجديد الفضيلة مرة كل عام؛ لكي يكون محصلة المؤتمر تجديد الوعي الإيماني والسلوك على قاعدة: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِ‌جَالًا وَعَلَى? كُلِّ ضَامِرٍ‌ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، لاسيما أن أغلب المسلمين اليوم ينصرفون إلى العبادات، ومنها عبادة الحج، بشكلية طقسية بائسة، أفقدت العبادات مذاقها الروحي، فلم يعد الحج يمثل نقطة إشعاع للتعبد والسلوك القويم تنعكس على سلوك المسلم العائد منه إلى معمعة الحياة بإيجابية بائنة، يكون في ضوئها مجللاً بكل قيم الفضيلة، في تعامله اليومي مع الخلق، الذين قد لا ينتفعون بشكل مباشر من العبادات، باعتبار أنها أداء فردي خالص للمسلم يلقى الجزاء عليها عند الله يوم الدين، وإنما ينتفعون من منعكساتها الإيجابية.

ولعل المطلوب من المسلم الحاج اليوم، وفي أجواء الجفاف الروحي التي يعاني منها مجتمعه المعاصر، أن يلتفت إلى ممارسة فريضة الحج بالشروط والضوابط التي حددها الله وقررتها سنة رسوله؛ لكي يكون شهر ذي الحجة بعشره الأوائل منه بمثابة موسم تدريبي سنوي لرفع كفاءة الأداء الأخلاقي والسلوكي للمسلم الحاج بالضرورة في كل جوانب الحياة، وتجسيد السلوك الإسلامي الراقي بما يعينه على تجاوز ضغوطات وإرهاصات الحياة المعاصرة، والمثبطات الموبقة.

هكذا إذاً ينبغي أن يكون الحج ورشة عمل سنوية جادة للمسلم، يراجع من خلالها أي انحراف في سلوكه، لتكون شخصية المسلم الحاج عندها متسقة تماما مع ذاتها، ومع دينها، ومجتمعها، بما يمكنه من أن يؤسس بالمحصلة لمجتمع فاضل، خال من كل المشاكل التي نعاني منها اليوم.