لوحات جدارية رسمت بعضاً من الملامح التجارية، عرفت بها مدينة الثلاثة آلاف سنة "جدة"، عبر "ميناء الحيوي"، الذي كان لا يفصله عن سور المدينة سوى بضعة أميال، ويعد بمثابة "الشريان الأبرز" لمركزيتها المالية والتجارية، ويتمدد هذا "الفعل الاقتصادي" عبر "تبادل المنافع" قبل وبعد نهاية مواسم الحج، حيث تنشط مبيعات الحجيج القادمين من الخارج بين أحضان تلك المنطقة، عبر عرض منتجات بلدانهم.

واليوم وبعد مرور أكثر من ألف وثلاثمائة عام من إنشاء ميناء جدة في عهد ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان، عادت ضاحية "التاريخية" بالمنطقة المركزية بالبلد، لتعيد رواحل التجارة وتبادل المنافع، بالطريقة ذاتها التي ألفها السكان على مر العهود الطويلة، رغم دخول الحداثة بمفرداتها المادية والمعنوية والحسية في طرق الاتصال والتنقل.

إلا أن مشهداً وحيداً، لم تقدر الأيام على تغييره، عشرات الباعة من الحجاج القادمين من أصقاع المعمورة يفترشون الأرض ببضائعهم مختلفة الاستخدام والصناعة وكأن عقارب الساعة تعود إلى "أزمنة الحج" الأولى.

ولو أراد مخرجٌ سينمائي عالمي أن يوثق "التبادل التجاري" في أول حج شهده المسلمون، فإن المشاهد المتوزعة على جنبات وأزقة المنطقة التاريخية اليوم، والتي تطابق وتواكب مبدأ "التداول"-الذي كان موجوداً- ولا تزال تعبق برائحة "منافع الحج"، فهي فيلم طويل، حلقاته لن تنتهي على مدار الأيام.

"ليشهدوا منافع لهم" تجدها حاضرة وكأنها كتبت في لوحة غير مرئية أمام فرش البيع، تلك التي اختلفت منتجاتها من شرق الأرض إلى غربها، ليظل هذا المكان مع اختلاف الألسن واللغات مكاناً متميزاً يجتمع فيه الكل ضمن معادلة "هذه بضاعتنا وتلك بضاعتهم".

في سوق العلوي وما يحيط به من جغرافيات المكان، تشعر منذ الوهلة الأولى وكأنك في أشهر الأسواق العالمية في نيويورك، ولكن بصبغة مختلفة وتاريخ أعرق منه وبصورة تعبيرية لن تجدها إلا في هذا المكان.

لن تستطيع أن تفصل "التاريخية" عن عمقها التجاري في موسم الحج، لاستنادها على تاريخ لا يزال حاضراً في مشهدها دون انقطاع، معطر برائحة "العود والبخور واللبان"؛ لتضفي على عمليات البيع رونقاً تجارياً، مستعيراً دلالات خاصة وحصرية "لتاريخية جدة".

عند الانتقال بين العلامات التجارية للحجاج، تستطيع أن تدرك حجم الاقتراحات، التي يمكن أن تسمعها وأنت بين جمهور المشترين، الذين افترشوا في المقابل أرض منتجات البائعين والبائعات، حيال ضرورة إنشاء سوق خاص سنوي يأتي مع الموسم الأعظم أطلقوا عليه اسم "بائعي الحج" في أحد ضواحي المنطقة التاريخية، لعرض بضائعهم على بسطات خاصة، يضمن خلالها تسلسل السياق التاريخي، الذي امتازت به جدة طوال تاريخها.

"الكافيار الروسي" الذي يعد أجود أنواع الكافيارات العالمية، والمستخرج من عمق البحر الأسود، هو المطلوب الأول من البائعات الروسيات، بدرجة تنافسية عالية وأسعار رمزية بسيطة.