جاءت الآية القرآنية في قوله تعالى "ليشهدوا منافع لهم وليطوفوا بالبيت العتيق" مرسخة للصورة الحقيقية لأكبر تجمع في تاريخ البشرية، الصورة التي تجلت بوضوح في المثل العربي المتداول في المجتمع "حج وبيع مسابح"، وتشكلت هذه الصورة واقعا في مشعر منى طيلة أيام التشريق.
ويأتي ارتباط "المسابح" بالحج منذ القدم إذ تمثل المسابح رمزا دينيا ارتبط بجميع الأديان، وجاءت مفردة "المسبحة" في الأمثال العربية تؤكد أن في الحج غايات دنيوية أخرى غير العبادة.
وعن الصورة الذهنية للحج، قال الباحث والمؤرخ الدكتور عايض الزهراني، إن الحج أكبر تجمع للبشر ولم ولن يكن مقتصرا على العبادة بل فيه مجال آخر لغير العبادة وهو المعاش، وقال إن العنصر الموازي للعبادة في الحج هو الاقتصاد والتجارة منذ القدم، ولذلك جاء في الأثر "حج وقضاء مصالح" و"حج وبيع مسابح". وقال إن استعراض مواسم الحج في المصادر التاريخية يؤكد أن البضائع كانت تأتي مع الحجاج من جميع الدول الإسلامية، ولكن هذا الأمر تضاءل أخيرا بفعل تطور الأسواق التجارية وتوفر البضائع بشكل لم يكن من قبل إلا أن بعض الحجاج لا يزال يحمل من بلاده ما يتاجر به في الحج، وإن كان غير ذي عائد وإنما تحقيقا للصورة الذهنية عن الحج التي ارتبطت به بأنه موسم عبادة واستفادة.
وكانت الأمثال العربية المتداولة قد رسخت مفهوم التجارة في الحج كمفهوم مواز للعبادة، فعندما يريد أحدهم أن يضرب مثلا عن شيء يجمع فيه بين العمل للدنيا والآخرة، فلن يتردد في استخدام عبارات متداولة في المجتمع كـ"حج وحاجة" و"حج وبيع مسابح".
وفي حين يمثل الحج ملتقى سنويا يجتمع فيه المسلمون من شتى بقاع الأرض بمختلف لغاتهم وجنسياتهم على مبدأ أن الحج عبادة واستفادة موسم اقتصادي كبير، إلا أن صورة الانتفاع التي كانت تتمثل في جلب الكثير من الحجاج القادمين إلى المملكة لبضائع مختلفة يتم عرضها في الحج وينتظرها الحجاج من موسم لآخر تضاءلت بفعل تطور التجارة العالمية ودخول التقنية على خط التجارة، لكن لا يزال من الحجاج من يحمل شيئا من بضاعة بلده وقد لا تعود هذه البضائع البسيطة عليه بالربح الوفير، إلا أنها اعتقاد وتجسيد للصورة الذهنية التي رسمها الشرع في أن الحج موسم عبادة وانتفاع دنيوي وأخروي.