في مسائل الرزق يستوقفني كثيراً هذا الحديث النبوي الكريم: "والذي نفس محمدٍ بيده لن تموت نفسٌ قبل أن تستكمل رزقها"، لو كان الأمر بيدي لطبعت هذا الحديث، وقمت بتوزيعه عند إشارات المرور، وفي صالات الوصول والمغادرة، وفي البنوك والأسواق ومكاتب العقار.. عند بوابات الجامعات والمدارس والوزارات والشركات، في صالات الأفراح ومجالس العزاء، عند أبواب المستشفيات والقصور والمقابر، ولأرسلته بالفاكس والبريد و"الإيميل" إلى أشخاص كثيرين، قلقين، متوترين، تائهين يركضون ليل نهار بحثاً عن الرزق دون إيمان ويقينٍ وقناعة، والرزق المقصود ليس المال وحده، الوظيفة رزق، المنصب رزق، الترقية رزق، الزوج رزق، الولد الصالح رزق، العافية رزق، المكانة، القبول، التوفيق، السعادة، الراحة، الشهرة، المحبة، كلها أرزاق.. الحظ هو الآخر رزق!

لن أرتدي عباءة الواعظ هذا الصباح، لكنها الحقيقة.. قبل أيام التقيت بأحد الأصدقاء الساخطين.. قال لي "فلان الفلاني كاتب مثلك، لكنه حصل على أشياء كثيرة لم تحصل عليها"، وذهب يعد لي أشياء يمتلكها هذا الزميل.. بعضها أعرفه، وبعضها لا أعرفه، بعضها أعرف مصادره، وبعضها لا أعرفه، حينما انتهى من سرد ما لديه قلت له: يا صديقي هذه أرزاق ساقها رب العالمين إليه، وليس من حقنا الاحتجاج على مشيئة الله سبحانه وتعالى، الله يا صديقي هو الرازق، وهو المعطي، الله هو الرزاق والوهّاب، يعطي من يشاء بغير حساب.. وإن كان الله قد كتب للإنسان رزقه، فثق أنه سيحصل عليه، ألم يمر عليك وأنت القارئ الحصيف قول نبي الهدى عليه الصلاة والسلام: "لو فرّ أحدكم من رزقه لأدركه كما يدركه أجله".. فكن مطمئنا يا صديقي؛ لأن مسألة الأرزاق محسومة، كالموت تماماً.

أنا لا أطالبكم اليوم بالقعود عن طلب الرزق والسعي في الأرض.. لا.. السماء - كما يقول الفاروق رضي الله عنه - لا تمطر ذهباً ولا فضة، لكن أنا أنتقد وبشدة النظر لما في يد الآخرين، أنتقد هذا التسابق المحموم، أنتقد هذا التطاحن العجيب والقلق القاتل، بحثاً عن شيء كفله الله عز وجل!

كما قلت، أنا لا أمارس دور الوعظ، لكن في مسائل الرزق، يجب على الإنسان المؤمن، إيماناً صادقاً، أن ينام مرتاحاً، سليماً من القلق والتوتر.. نم يا صديقي هانئ البال، رزقك لا يتقدم.. لا يتأخر.. لا يزيد.. لا ينقص، ولكي تزداد قناعتك عليك أن تتفكر - ولو لدقيقة واحدة - في هذا الحديث النبوي الكريم: "الرزق أشد طلباً للعبد من أجله"!