طوى متاعه وشد من أزر أقرانه، وأذن في العيِّر أن أرحلي في زلف من الليل إلى خير بقعة وأطهر منُام، إلى ثالث المشاعر المقدسة، حمل من يسمي نفسه "سعيد الحظ" ورفاقه معهم ما خفّ من متاع يستعينون به على رحلة المشي لـ"4000" متر، ويكفيهم للمبيت في تلك البقعة حتى ينبلج نور صبح تنطلق منه نسمات الرحمة والمغفرة، رحلة شاقة يجعل منها الإيمان سياحة ترنو إليها قلوب مليار ومائتي مليون مسلم يؤدون من خلالها مناسك الحج.
سعيد الحظ هو كل حاج وقف على صعيد عرفات ثم أفاض إلى المشعر الحرام في مزدلفة أمس، مشى إليها فجمع الحصى الذي سيرجم به الشيطان، يجمع ما بين 49 - 70 حصاة للرجم طوال أيام التشريق، ويفضل أن يكون الحصى بحجم أكبر من حبة الحمص وأصغر من البندق وفقا للأحاديث النبوية الشريفة.
بات حجاج بيت الله الحرام - سعداء الحظ بأداء الحج - في مزدلفة، التي سميت بهذا الاسم وفقا للعلماء والمؤرخين نظرا لنزول الناس بها في زلف الليل، وقيل أيضاً لأن الناس يزدلفون فيها إلى الحرم، كما قيل إن السبب أن الناس يدفعون منها زلفة واحدة، أي جميعاً فيما سماها الله المشعر الحرام.
مشعر مزدلفة بكامله موقف عدا وادي محسر، وهو موضع بين مزدلفة ومنى يسرع فيه الحجاج في مرورهم، حيث يحدها من الغرب ما يلي منى ضفة وادي مُحَسِر الشرقية وهو واد صغير يمر بين منى ومزدلفة، وهو ما يمر فيه الحاج على الطريق بين منى ومزدلفة، فيكون الوادي فاصلا بينها وبين منى، ويحدها من الشرق ما يلي عرفات ومفيض المأزمين وهما جبلان بينهما طريق يؤدي إلى عرفات فيما يحدها من الشمال الجبل وهو ثبير النصع، ويقال له أيضا جبل مزدلفة. وحظي مشعر مزدلفة باهتمام كبير ومشروعات تطويرية من حكومة المملكة على مر السنين من أجل راحة ضيوف الرحمن وتسهيل حجهم، حيث جاء في مقدمة ما قامت به الدولة، توسعة المشعر الحرام وتهيئة ساحات المبيت في مزدلفة للحجاج وتزويدها بكل ما هو مطلوب من الخدمات والمرافق الطبية والصحية والمياه النقية والطرق والإنارة ودورات المياه والاتصالات والتغذية والمراكز الإرشادية والأمنية وتنظيم أماكن المبيت فيها لتسهيل حركة المرور، إلى غير ذلك من خدمات.
ومساحتها الإجمالية 963 هكتارا، يستفاد منها للحجاج 682 هكتارا، وفيها مسجد المشعر الحرام وهو المسجد الذي ورد ذكره في قول الله: «فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام»، وتذكر مصادر تاريخية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينزل عند قبلته، والذي يقع في بداية مزدلفة على قارعة الطريق رقم (5) الذي يفصل بين التل والمسجد، ويبعد عن مسجد الخيف نحو (5) كيلومترات، وعن مسجد نمرة (7) كيلومترات.