شهد موقع (غار ثور) خلال الأيام المنصرمة، استعادة ثقافية في ذاكرة الأمة، وهو مكان خلّدته الآيات العطرة في القرآن الكريم ضمن العديد من المواقع الأثرية والأماكن التاريخية في مكة المكرمة، وهو معلم بارز في رأس جبل ثور، أحد الجبال الواقعة شمال العاصمة المقدسة.
وقال الدكتور أبو بكر باقادر، أحد علماء الاجتماع في المملكة، لـ"الوطن: إن حكاية الغار لها وقع عميق في النفس المؤمنة، فهي تحمل دلالات ثقافية هائلة، تنفتح على مصداقية الإيمان وحتمية التوكل على الله، مع أخذ الحيطة والحذر، إضافة إلى تجسيدها لمعاني الأخوة ومتانتها على نحو ما كان بين النبي، صلى الله عليه وسلم، وصاحبه أبي بكر، رضي الله عنه.
بينما يشير الناقد الدكتور منصور الحازمي، أحد أبناء مكة المكرمة، إلى أن الحج من أعظم المناسبات الدينية التي تتوفر فيها قراءات سسيولوجية / ثقافية، ومنها قصة الاختباء في غار ثور، وما تحمله من معان عظيمة، يجب استعادتها باستمرار وتأملها، لما ينعكس من ذلك في فهم أصول الشخصية المسلمة وثقافة الأمة. بقي حصن غار ثور في ذاكرة التاريخ الإسلامي يحكي قصة ثاني اثنين إذ هما في الغار، وكان عونًا بعد عناية الله - عز وجل - في حماية رسول الله - صلى الله عليه و سلم - والصحابي الجليل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - من كفار مكة.
مكث فيه النبي - عليه الصلاة والسلام - وصاحبه الجليل ثلاثة أيام، اختباء من المشركين المطاردين لدعوة الحق، وبعد خروجهما من الغار باتجاه المدينة المنورة، تحول غار ثور لذكرى - ليست عابرة - يرويها التاريخ للأجيال من خلال قول الله تعالى (( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم )). الآية 40 سورة التوبة.
واتجهت أقوال تاريخية إلى أن غار ثور هو أول حصن في الإسلام تحصّن فيه الرسول الكريم وصاحبه الصديق، بعد إعلان الدعوة السماوية، حيث أوى إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر - رضي الله عنه - وهما في طريقهما إلى المدينة في رحلة الهجرة النبوية، فدخلا فيه حتى إذا هدأ طلب قريش لهما تابعا طريقهما.
ويرتفع الجبل 760 م عن سطح البحر، سهل أدناه وعر أعلاه، ذو مسالك صعبة المرتقى، وعلى الرغم من ذلك تجد الحجّاج والعمّار والزوار يصعدونه؛ للاطلاع عليه ومشاهدته. وللتوعية الدينية والثقافية في الجبل، خصصت الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة مركزًا خاصًا للتوجيه والإرشاد في أي سلوك أو مخالفة شرعية.