"هاجر" ممرضة في أحد المستوصفات الخاصة، ينطبق عليها ـ كما تقول ـ المثل القائل "باب النجار مخلع"، فعملها اليومي هو تقديم الخدمات الطبية للمراجعين، لكنها لا تستطيع معالجة أحد من أسرتها، لا سيما المقربين منها بالدرجة الأولى، كما لا تستطيع أن تقدم لأهلها الأدوية التي قد يحتاجونها كما تقدمها لمن يراجعون المستوصف الذي تعمل فيه.
وتشاطرها الرأي آمنة التي تعمل في مجال الصيدلة وتقول: يظن الكثيرون بأن منزلي ممتلئ بالأدوية، وقالت وهي تبتسم: والحقيقة أنني في الغالب لا أجد دواء لأعالج به صداع رأسي.
وليست مهن التمريض أو الصيدلة هي الوحيدة التي لا تخدم أصحابها، فها هي أم ياسر التي يعمل زوجها في مجال السباكة تقول: على الرغم من عمل زوجي "أبو ياسر" في مجال السباكة، إلا أنه لم يصلح لنا أي عطل حتى ولو كان بسيطا في المنزل، وتابعت: عندما أخبره بأي خلل يتعلق بالسباكة يطلب منا الاستعانة بسباك آخر.
وفي مجال التعليم، تقول أم تركي التي تعمل معلمة للغة العربية: عملت في مجال تدريس اللغة العربية لمدة 7 سنوات، إلا أنه حينما التحق ولدي بالصف الأول الابتدائي لم أكن قادرة حتى على متابعته في الدروس التي يتلقاها في المدرسة وقررت الاستعانة بمدرس خصوصي لتعليمه الحروف الهجائية دون علم والده، فأقوم بإرساله إلى الدرس في الساعة التي يكون والده خارج المنزل خوفا من لومه لي.
ويقول سالم العنزي، طالب في المرحلة الثانوية: من المزعج حقا أن ترى والدك أو من يعيشون معك في نفس المنزل يتقنون علما محددا ولا تستطيع الاستفادة منهم. وتابع العنزي قائلا: والدي يعمل معلما لمادة الرياضيات ولكنني لم أستطع الاستفادة، وينصحني بالذهاب إلى بعض المعلمين في ذات التخصص، كونهم يجيدون توصيل المعلومة للطالب.
من جانبها، أكدت أخصائية علم الاجتماع في تعليم القريات عنود السالمي، أن المنزل للراحة من العمل، وقالت: بالنسبة لمثل "باب النجار مخلع" يكون واقعا لعدم توفر الوقت لصاحب المهنة أو التخصص في مزاولة ذات العمل في المنزل، على الرغم من إتقانه له خارج المنزل. وأردفت السالمي قائلة: لعل الأمر يتفاوت في حال كانت المهنة في قطاع خاص أو حكومي أو عمل حُر، وأوضحت السالمي أن الذين يعملون في القطاعات الحكومية أو الخاصة يحكمهم الوقت، ويتخذون من المنزل وقتا للراحة فقط دون مزاولة تلك الأعمال في المنزل؛ لأنها تشكل عليهم عبئا إضافيا، أما الأشخاص الذين يعملون في الأعمال الحرة، فمن الممكن أن يتوفر لهم وقت في المنزل وبذلك يستفيدون من تلك المهن أو التخصصات داخل منازلهم.
ومن زاوية أخرى، أكدت أخصائية التربية الأسرية مسفرة الغامدي، على ضرورة وعي الأسرة بمثل تلك الأمور التي من شأنها أن تضيف عبئا إضافيا ومرهقا على أصحاب المهن والتخصصات من الجنسين، ونوهت الغامدي ببعض التصرفات التي قد تزعج الأب أو الأم العاملين في الأسرة، خاصة في ضرب بعض الأمثلة التي قد تكبدهم المشقة والعناء، وتمضي بحديثها قائلة: الأسرة مأوى للهدوء والأمن والراحة لكثير من العاملين في مختلف القطاعات، وعندما يشعر أولئك بأن العمل ينتقل معهم إلى منازلهم، يشعرون بعدم الراحة والاطمئنان، فيفقد المنزل أهم وظيفة له وهي أنه الملاذ الوحـيد للراحة والاسـتـقرار، ولا يكون ذلك إلا بتفهم الأسرة لما يحـتاجه أصحاب تلك المهن، ولا مانع من الاستعانة بهـم وقت الحاجة ولكن دون إرهاقهم.