يهدف نظام وزارة الصحة، أو ما يعرف بالنظام الصحي، إلى ضمان توفير الرعاية الصحية الشاملة المتكاملة لجميع السكان بطريقة عادلة وميسرة وتنظيمها حسبما نصت عليه مادته الثانية. يهدف هذا النظام إلى ضمان توفير الرعاية الصحية من قبل المقدم الأكبر للخدمات الصحية في المملكة، وهي وزارة الصحة المسؤولة عن 60% من هذه الخدمات في مناطق المملكة المختلفة.

يحوي النظام مواد عديدة تختص بمهام وواجبات وزارة الصحة وإداراتها ومديرياتها الصحية المختلفة كأنظمة القطاعات الحكومية الأخرى إلا أنه يحوي مادتين بحاجة لوقفة وتأمل وتدارك.

تنص المادة السادسة عشرة من نظام وزارة الصحة في فقرتها "أ" على أن ينشأ مجلس يسمى مجلس الخدمات الصحية برئاسة وزير الصحة وعضوية ممثلين من وزارة الصحة والخدمات الصحية بوزارة الحرس الوطني، ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية ومستشفى الملك فيصل التخصصي، والهيئة السعودية للتخصصات الصحية وهيئة الهلال الأحمر السعودي ومجلس الضمان الصحي، واثنين من عمداء الكليات الصحية، واثنين من القطاع الصحي الخاص. وتنص المادة ذاتها في فقرتها "و" على أن يحدد بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح "وزير الصحة" مقدار مكافأة الرئيس، أي مقدار مكافأة الوزير لنفسه، وأعضاء المجلس السابق ذكرهم ومصدر هذه المكافأة.

أما المادة السابعة عشرة من النظام فتحدد اختصاصات مجلس الخدمات الصحية التي يمكن اختصارها بأنها تنسيقية تنظيمية بين القطاعات الصحية المختلفة، أي أن المجلس هو مجرد مكتب تنسيق تابع لوزارة الصحة وبالطبع لا يملك أية صلاحيات تنفيذية أو تشريعية، وهو غير المستغرب فهو نظام يتبع لوزارة الصحة حسب مواده المنظمة أعلاه.

تبعية مجلس الخدمات الصحية لوزارة الصحة نظامية حتى وإن حاولت الوزارة أو المجلس نفي ذلك وادعاء استقلاليته بدلالة أن المادتين الوحيدتين المنظمتين للمجلس المذكورتين سابقا هما جزء من نظام وزارة الصحة ولائحته التنفيذية، الذي ذكرت مادته الخامسة عشرة أن الوزارة هي الجهة المسؤولة عن تطبيق هذا النظام فيما لا يدخل في اختصاصات جهة أخرى، وفسرته اللائحة التنفيذية بأن تطبيق الوزارة لهذا النظام لا يشمل ما يدخل في اختصاص جهة أخرى إلا ما يتطلبه التنسيق والمتابعة في الأمور التي لها مساس باختصاص الوزارة.

تبعية مجلس الخدمات الصحية لوزارة الصحة ليست الوحيدة، فالعديد من القطاعات والجهات الصحية الأخرى، التي من المفترض نظاما أن الوزارة لا تتدخل في اختصاصاتها، تتبع لوزارة الصحة بشكل تداخلي، كلي أو جزئي، كون وزير الصحة رئيسا لها كرئاسته لمجلس الضمان الصحي التعاوني ورئاسته لمجلس أمناء الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ورئاسته لمجلس إدارة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث.

هذه التبعية لا تعد مشكلة طالما أن المكتب التنسيقي المسمى بمجلس الخدمات الصحية يلتزم بصلاحياته التي حددها له نظام وزارة الصحة. ولكن المشكلات تبدأ بالظهور المقلق عندما يتم تقديم المشاريع الصحية الجوهرية كالتأمين الصحي للمواطنين باسم مجلس الخدمات الصحية، وهو متعثر في تنفيذ اختصاصاته المنصوص عليها نظاما منذ إنشائه قبل عشر سنوات.

تعثر مجلس الخدمات الصحية، التابع لنظام وزارة الصحة، في وضع التنظيم الملائم لتشغيل المستشفيات التي تديرها الوزارة والجهات الحكومية الأخرى وتعثره أيضا في وضع وإقرار سياسة التنسيق والتكامل بين جميع الجهات المختصة بتقديم الرعاية الصحية لا يعد مؤشرا إيجابيا لقدرته على دراسة وتقديم مقترح هائل كالتأمين الصحي للمواطنين، خاصة أن نموذج التأمين المقترح من قبل وزارة الصحة باسم مجلس الخدمات الصحية يناقض ما نصت عليه استراتيجية الرعاية الصحية في المملكة الصادرة من المجلس ذاته، وهي استراتيجية أخرى مختلفة عن استراتيجية وزارة الصحة المشهورة بالمريض أولا.

تم الرفع بنموذج التأمين الصحي الاجتماعي للجهات العليا لدراسته في شعبان الماضي حسب تصريح وزير الصحة ورئيس مجلس الخدمات الصحية بينما ذكرت استراتيجية الرعاية الصحية في المملكة الصادرة من مجلس الخدمات الصحية، أن الاستراتيجية الأولى للتمويل هي تطبيق الضمان الصحي التعاوني، فما هو تفسير عدم اتساق النموذج المرفوع من قبل المجلس مع النموذج المعتمد في الاستراتيجية التي قام بإعدادها وأقرها له مجلس الوزراء؟ أم هل النموذج المرفوع هو هجين ظاهره تأمين صحي اجتماعي وباطنه ضمان صحي تعاوني يجرد الفقراء والعاطلين وكبار السن من الرعاية الصحية؟ هل سينتهي الحال بإجبار المواطنين على الدفع من جيوبهم الخاصة للخدمات التي ستتحايل شركات التأمين الخاصة لعدم تغطيتها؟

المشكلات المقلقة تظهر أيضا عندما يتم الاعتقاد بأن مجلس الخدمات الصحية هو نواة للمجلس الأعلى للصحة مستقبلا، بل والتوصية بذلك من قبل بعض أعضائه أو بعض التشريعيين. لا يمكن لمجلس تنسيقي يتبع لوزارة الصحة نظاما أن يغير من جنسه وينمو ليصبح مجلسا أعلى للصحة ذا صفة اعتبارية مستقلة بصلاحيات موسعة قادرة على تغيير خارطة الخدمات الصحية في المملكة.

المجلس الأعلى للصحة أصبح ضرورة ملحة في ظل الملفات الصحية العالقة كجودة الخدمات الصحية، ورضا المواطنين عنها، ومطالبات التأمين الصحي للمواطنين. المجلس الأعلى للصحة أصبح ضرورة ملحة ولا يمكنه أن يرى النور إلا برئيس لا يرأس سواه.. برئيس لا يكافئ نفسه..